إلا المودة 4

إلا المودة ما سألنا حبنا     إن الودة رفعة ورشاد

نكمل ما قلناه بالعدد السابق لتدارس هذا البيت فنقول: قبل أن نتكلم عن فضل أهل البيت نقول الحديث القدسى الوارد عن الأولياء: يقول سيدنا أبو هريرة قال رسول الله (إن الله قال: من عادى لى وليًّا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدى بشىء أحب إلى مما افترضت عليه وما يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشي بها وإن سألنى لأعطينه ولئن استعاذنى لأعيذنه وما ترددت عن شىء أنا فاعله ترددى عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته). رواه البخارى.

هذا هو حال الأولياء فما بالنا بمن هم أخص وهم أهل بيت رسول الله الذين تولاهم الله فهم أولياء وقرابة رسول الله الحبيب فشرفهم أعلى وفضلهم أكبر.

يقول سيدى بن عربى فى الباب التاسع والعشرين صفحه 255 من كتاب الفتوحات المكية: وشهد الله لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم. وإذا كان لا يضاف إليهم إلا مطهر مقدس, وحصلت له العناية الربانية الإلهية بمجرد الإضافة فما ظنك بأهل البيت فى نفوسهم؟ فهم المطهرون. بل هم عين الطهارة. فهذه الآية ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ الأحزاب 33. تدل على أن الله تعالى قد أشرك أهل البيت مع رسول الله فى قوله تعالى ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ الفتح 2. وأى وسخ وقذر أقذر من الذنوب وأوسخ؟

فطهر الله سبحانه نبيه بالمغفرة مما هو ذنبا بالنسبة إلينا. ولو وقع منه لكان ذنبا فى الصورة لا فى المعنى، لأن الذم لا يلحق به على ذلك من الله ولا منا شرعا، ولو كان حكمه حكم الذنب لصحبه ما يصحب الذنب من المذمة. ولم يكن يصدق قوله تعالى ﴿لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾. فيدخل أولاد سيدتنا فاطمه كلهم , ومن هو من أهل البيت مثل سلمان الفارسى إلى يوم القيامة, فى حكم هذه الأية من الغفران فهم المطهرون اختصاصاً من الله وعناية بهم لشرف سيدنا محمد وعناية الله به. ولا يظهر حكم هذا الشرف لأهل البيت إلا فى الدار الآخره. فإنهم يحشرون مغفوراً لهم.

وأما فى الدنيا فمن أتى منهم حداً أُقيم عليه كالتائب, إذا بلغ الحاكم أمره. وقد زنى أوسرق أو شرب. أُقيم عليه الحد مع تحقيق المغفرة. وينبغى لكل مسلم يؤمن بالله وما أنزله أن يصدق الله تعالى فى قوله: ﴿لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ فيعتقد فى جميع ما يصدر من أهل البيت أن الله تعالى قد عفا عنهم فيه .

فلا ينبغى لمسلم أن يلحق المذمة بهم, فقد شهد الله بتطهيرهم وذهاب الرجس عنهم لا بعمل عملوه ولا بخير قدموه بل بسابق عناية الله بهم. ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ الجمعة 4

 

وأقول ما هو العجب فأهل بدر قال رسولنا فيهم (لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). رواه البخارى، وعندما أرسل حاطب بن أبى بلتعة مكتوبة فى خصلات من شعر سيدة مخزومية وأحضروها أمام الرسول وحضر حاطب فقال أحد الصحابة دعنى أضرب عنقه، فذُكر الحديث السابق.

وأكثر من هذا وقع من أهل بدر وكان الرسول يقول نفس القول. وقد قال المولى تبارك للرسول ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾ ولم يقل ليغفر الله لك فهناك فرق ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾ أى من أجلك.

والشئ العظيم الذى يجب أن ننتبه إليه هو أن المضاف إليهم بسبب مودته وحبه لهم تكون له هذه الدرجة وهى ذهاب الرجس والذنوب عنه ويطهره الله تطهيرا. فلماذا لا نسعى للإضافة إليهم بدلا من المجادلة والحقد فهذه رحمة الله وبركاته وضعها عليهم ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ هود 73. أهل سيدنا إبراهيم فما بالنا بأهل بيت سيد المرسلين .

وما هو العجب فى هذا فقد خلق الله ملائكة لا يفعلون الخطأ وغير مخيرين ولا يحاسبون وخلق حيوانات وفى الآخرة يكونوا تراباً وخلق آدميين ومنهم اصطفى أنبياء ورسل ومن منهم يفعل الكثير من الذنوب ويتوب فيغفر له ويدخله الجنة وهناك من يفعل الكثير من الخيرات والحسنات ثم يختم فى آخر أيامه بسوء فيدخل النار. وما هو العجيب أن يخلق سبحانه أهل البيت مطهرين حتى أن يغفر لهم الذنوب قبل أن تقع منهم أصلاً لأنها مقدرات عليهم وعلينا إذا ما أصابتنا وذلك حتى يتساووا مع الخلق فيكونون أخفياء مع الخلق لكن نهايتهم وخاتمتهم سعيدة والعبرة بالخواتيم. وننظر من سوف يتحمل لأجل الحبيب المصطفى؟ وكيف لا تتحمل وتطلب الشفاعة من جدهم يوم القيامة؟ أتتنكر أن يغفر لهم الله وتطلب الشفاعة من جدهم يوم القيامة؟ أتتنكر أن يغفر لهم الله وتطلب يوم القيامة شفاعتهم؟ أو شفاعة جدهم إن هذا شئ عجيب!!

فمن هم أهل البيت الذين نتحدث عنهم؟ من هم قرابته عندما سئل الحبيب المصطفى عنهم قال على وفاطمة والحسن والحسين ومن تناسل منهما أو كما قال .

ولا غرابة فقد روى فى قوله تعالى ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ الكهف 82، كان الجد السابع أو التاسع وذلك إكراماً لصلاح الأبوين فما قولك سيد الخلق كيف يكون حال ذريته، وكذلك الطفل الذى قتله الخضر عليه السلام لخشيته أن يكفر أبويه فقتله لأن أباه وأمه كانا مؤمنين فما قولك فى سيد الخلق وذريته.

اعلم أن مقتضى الاحتياط أن تحب وتحترم المنسوب إليه من حيث قرابته منه, وإن طعن فى نسبه كما قال الشعرانى وغيره. لاحتمال بطلان الطعن وصحة النسب فى الواقع. بل محبته واحترامه من حيث قرابته أبلغ فى رعاية جانبه من محبة واحترام من لا طعن فى نسبه فافهم.

وإلى العدد القادم لنكمل لك أقوال الأئمه فى آية المودة فى القربى ونقدم لك الدواء الشافى من هذا المرض العضال الذى يلتهم قلوب المنكرين لفضل أهل البيت والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

محمد مقبول