عائشة أم المؤمنين - الفقيهة.. السياسية - الصديقة بنت الصديق

السيدة عائشة أم المؤمنين 2

فى بيت النبى

 

ما أن استقر المقام فى الموطن الجديد بعد الهجرة .. وأتم رسول الله بناء المسجد والمنزل الجديد .. حتى تحدث إليه أبو بكر فى إتمام الزواج الذى عقده فى مكة منذ ثلاث سنين.

وتصف السيدة عائشة حفل زفافها فتقول:

جاء رسول الله بيتنا فاجتمع إليه رجال من الأنصار ونساء، فجاءتنى أمى فسوّت شعرى ومسحت وجهى بشيئ من ماء، ثم أقبلت تقودنى فأدخلتنى ورسول الله جالس على سرير فى بيتنا .. وقالت: (هؤلاء أهلك فبارك الله لك فيهن، وبارك لهن فيك) ..

ووثب القوم والنساء فخرجوا، وبنى بى رسول الله فى بيتى، ما نحرت علىّ جزور ولا ذبحت من شاة.

وانتقلت السيدة عائشة بعد ذلك إلى بيتها الجديد، الذى لم يكن أكثر من حجرة صغيرة بنيت حول المسجد، من اللبن وسعف النخيل، ووضع فيه فراش من أدم حشوه ليف، ليس بينه وبين الأرض إلا الحصير، وعلى فتحة الباب أسدل ستار من الشعر. فى هذا البيت البسيط المتواضع بدأت السيدة عائشة حياة زوجية حافلة، وكما كانت شاهدة على أحداث الإسلام منذ يومها الأول ترقبها فى بيت أبيها الصديق ، فقد أصبحت شاهدة على حياة النبى القائد تنهل من علمه وحكمته وسيرته ما وسعها عقلها وذكاؤها أن تنهل وتتعلم.

لقد كانت السيدة عائشة باستمرار فى وسط المعترك الحياتى والدينى والسياسى:

• سباق مع زوجات النبى من حولها فى بيت زوجها، تحاول أن تفوز بقلبه وحبه، ورصيدها فى ذلك حب رسول الله لها ولأبيها: فقد كان من أحب الناس إليه وأقربهم منه، ورصيدها أنها الوحيدة، من بين جميع نسائه فى السابق واللاحق من لدن السيدة خديجة حتى اخراهن، الوحيدة التى زفّت بكرا إلى زوجها لم تعرف قط رجلا غيره، ورصيدها أنها عروس حلوة، خفيفة الجسم، ذات عينين واسعتين وشعر جعد، ووجه مشرق، مشرب بحمرة .. تدِلًّ على صاحباتها بصغر سنّها وجمال طلعتها.

• ومعترك تخوضه مع مروجى الإفك، حين أحبّ قادة النفاق فى المدينة أن يحاربوا النبى فى شخصها، فاتهموها بعرضها ليضربوا بحجر واحد زوجها وأبيها وبيضة الإسلام كله بعد ذلك.

• وخاضت السيدة عائشة معترك السياسة تقوّم المعوج، وتنادى بالإصلاح. تخالف الخليفة عثمان فى حياته، وتنادى بمحاكمة قتلته بعد استشهاده.

وكما انشغلت السيدة عائشة بمعتركاتها المستمرة فى حياتها، فقد انشغل المستشرقون والمفترون طويلا بها فى حياتها وبعد مماتها:

• ناصبها بعض المسلمين العداء فقد كانت فى الموقف السياسى المناوئ لسيدنا على ، ومازالت منذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا هدفا لكتابات جهلائهم وغرضا لافتراءاتهم.

• وناصبها البعض الآخر العداء، لموقفها السياسى الجريء وتدخلها فى الصراع السياسى الذى نشب بين سيدنا على والزبير وطلحة أجمعين ورأيهم أن ليس للمرأة إلا الجلوس فى بيتها , وما لها والسياسة!

• أما المستشرقون فيتحدثون عن زواج غريب جمع بين زوج كهل وطفلة غريرة عذراء (!) ويقيسون بعين الهوى، ظروف الجزيرة العربية اليوم والأمس بأعرافهم حيث لا تتزوج الفتاة عادة قبل سن الخامسة والعشرين.

وكان يمكن غض النظر عن مثل دعواهم الباطلة هذه، فمثل هذا الزواج كان شائعا قبل وبعد زواج النبى من السيدة عائشة ، وبيئة الجزيرة التى تنضج فيها الفتاة فى وقت مبكر غير بيئة أوروبا التى عليها يقيسون، ولقد أدرك ذلك المستشرق بودلى بعدما زار الجزيرة العربية فعاد من زيارته يقول: ’كانت عائشة على صغر سنها نامية ذلك النمو السريع الذى تنموه نساء العرب، ومثل هذا الزواج مازال عادة آسيوية، وشرق أوروبية وكذلك كان طبيعيا فى إسبانيا والبرتغال حتى سنين قليلة‘.

ثم مالنا ولهؤلاء المستشرقين، فإن السيدة عائشة من أعلى بيوتات الجزيرة، ومن أفصح قومها لسانا، ومن أشدّهن ثقة واعتدادا بنفسها، فإذا هى أقبلت على هذا الزواج وتحدثت عنه وتاهت به، فما بال الآخرين؟!

يقول المؤرخ المنصف بودلى: (منذ وطئت قدمها بيت محمد، كان الجميع يحسون وجودها. ولو أن هناك شابة عرفت ماهى مقبلة عليه، لكانت عائشة بنت أبى بكر، فلقد كونت شخصيتها منذ اليوم الأول الذى دخلت فيه دور النبى الملحقة بالمسجد). لم تكن إذن مجرد طفلة غريرة ساذجة كما يدّعون!!

لقد اكتمل نمو السيدة عائشة فى بيت النبوة، ونضجت شخصيتها وتدرجت بين عينى الرسول من صبية يأتيها زوجها بصواحبها ليلعبن معها، أو يحملها لتطل على نفر من الحبشة يلعبون الحراب فى المسجد، إلى شابة ناضجة مجربة، تسألها امرأة فى مسألة دقيقة من مسائل الزينة والتجميل، فتجيبها: (إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعى مقلتيك فتضعيهما أحسن مما هما فافعلى)!

وللحديث بقية ،،،

سامية السعيد