الغيبة

قال : (لا يدخل الجنة نمام) وأوحى الله تعالى إلى موسى : [من مات تائب من الغيبة فهو آخر من يدخل الجنة ومن مات مصرا عليها فهو أول من يدخل النار]. وقال النبى : (من كف لسانه عن أعراض الناس أقال الله عثرته يوم القيامة). وقال أبو عمر: ’أن الغيبة فاكهة الفقراء وضيافة الفساق وبساتين الملوك ومراتع النساء ومزابل الأتقياء وأدام كلاب الناس‘ وقيل ’كلاب أهل النار‘.

وقال النبى : (مررت ليلة أسرى بى على قوم يخمشون وجوههم بأظافرهم وهى من نحاس، فقلت: من هؤلاء يا جبريل. قال: هؤلاء الذين يغتابون الناس ويقعون فى أعراضهم).

وضابط الغيبة أن تذكر أخاك بما يكره وإن كان فيه ولو بقلبك، ونعم غيبة الذمى محرم أيضا وقال النبى : (أى رجل أشاع على رجل كلمة وهو منها برىء ليشينه فى الدنيا كان حقاً على الله أن يرميه بها فى النار يوم القيامة) قال الرازى فى قوله تعالى ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾، قيل الخطيئة الصغيرة والإثم الكبيرة، وقيل الخطيئة الذنب الذى يختص به الإنسان، والإثم الذنب المعتدى كالظلم والقتل، وقيل الخطيئة كل ما لا ينبغى فعله سواء كان عمدا أو سهوا، والإثم ما حصل بالعمد، فقد احتمل بهتانا أى ذمًّا فى الدنيا وإثما مبينا أى عذاباً فى الآخرة لصاحب هذا الفعل، مذموم فى الدنيا ومعاقب فى الآخرة، ولا فرق فى تحريم الغيبة بين أن تكون لفظا أو خطأ أو إشارة، والقاعدة: كل ما أفهمت به غيرك نقصا فى مسلم فهو غيبة، وكما أن الغيبة تحرم، يحرم استماعها أيضا، ويجب إنكارها إن لم يخف ضررا وإلا فيفارق ذلك المجلس، وإن لم يقدر على المفارقة اشتغل بذكر أو غيره فلا يضره بعد ذلك السماع من غير استماع، وقال النبى : (من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)، وقال : (من حمى عن عرض أخيه فى الدنيا بعث الله ملكا يحميه عن النار يوم القيامة) وقال (من اغتيب عنده أخوه فاستطاع نصرته فنصره نصره الله فى الدنيا والآخرة ومن لم ينصره ذله الله فى الدنيا والآخرة).

واعلم أن الغيبة تباح فى ست مسائل:

الأولى: التظلم كأن يقول لمن هو قادر على إنصافه ظلمنى فلان بكذا.

الثانية: الاستعانة على تغيير المنكر فيقول لمن يرجو قدرته على إزالته فلان يعمل كذا ويكون قصده إزالة المنكر وإلا حرم.

الثالثة: الاستفتاء فيقول للمفتى ما تقول فى رجل أو شخص من غير تعيين.

الرابعة: التحذير بأن يراه يأخذ العلم من مبتدع أو فاسق فيخبر الطالب بحال المعلم على قصد النصيحة أو يراه يخطب امرأة فاسقة فيبين له ما يعلمه من حالها إن لم يندفع إلا بذلك.

الخامسة: أن يكون مجاهرا بفسقه كتارك الصلاة فتحل غيبته وعن النبى اذكر الفاسق بما فيه يحذره الناس.

السادسة: التعريف كفلان الأعرج.

وقد جمعت الستة أشياء فى بيت واحد فقيل:

لقب ومستفت وفسق ظاهر                 والظلم تحذير مزيل المنكر

لطيفة: سواد بلال يجعله الله شامات فى وجوه الحور العين يوم القيامة وفى الحديث خير السود ثلاثة بلال ولقمان ومهجع عبد عمر أجمعين، وهو أول قتيل فى الإسلام. حكاية: مر داود الطائى يوما بموضع فوقع مغشيا عليه فحمل إلى منزله فلما أفاق سئل عن ذلك فقال ذكرت أنى اغتبت رجلا فى هذا الموضع فذكرت مطالبته لى بين يدى الله تعالى.

حكاية: قيل للحسن البصرى أن فلانا اغتابك فأرسل إليه طبقا فيه رطب وقال بلغنى أنك أهديت إلى من حسناتك فأحببت أن أكافئك، وقال حاتم الأصم: المغتاب والنمام قرد أهل النار، والكذاب كلب أهل النار، والحاسد خنزير أهل النار.

حكاية: رأى عيسى إبليس فى إحدى يديه عسل وفى الأخرى رماد فسأله عن ذلك فقال العسل أجعله فى شفاه المغتابين والرماد أجعله فى وجوه الأيتام حتى يرمدوا فيستقذرهم الناس فلا يفعلوا بهم خيرا.

وفى الحديث المروى فى صحيح مسلم والسنن الكبرى للنسائى وسنن أبى داوود عنه أنه قال (أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان فى أخى ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته) فكان هذا هو تعريف النبى للغيبة.

وفى الحديث المروى فى سن ابن ماجه وسنن الترمذى أن رسول الله قال لمعاذ بن جبل : (ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه؟) قلت: بلى يا رسول الله. قال: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد) ثم قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟) قلت: بلى يا نبى الله. فأخذ بلسانه قال: (كف عليك هذا) فقلت: يا نبى الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: (ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس فى النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم).

 وقال الإمام فخر الدين عن الغيبة النميمة:

وألسن أهل القيل والقال إنما         تكب على النيران بئس الحصائد

وقال أيضا:

عفوا اللسان عن المحارم إن ذا               هو مورد الهماز والنمام

أعاذنا الله من الغيبة والنميمة سلامة لألسنتنا ,,,

 سامر الليل

 

 

 

 

أهل الله

يقول المولى تبارك وتعالى ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ ولا يكون الدين خالصاً إلا إذا تم استيفاء مراتب الدين، ومراتب الدين كما أخبر عنها الحبيب المصطفى ثلاثة (إسلام - إيمان – إحسان) كما أن البناء لا يكون خالصاً أو تاماً إلا بعد إتمام بناء جميع طوابقه.

فالدين كالبناء هيئة واحدة ومراتبه متعددة، ومراتب الدين منها ما يرتبط بظاهر العبد (جوارحه) وهو الإسلام بأركانه الخمسة، ومنها ما يرتبط بقلب العبد وهو الإيمان (ذكر القلب)، ومنها ما يرتبط بروح العبد وهو الإحسان (ذكر الروح)، لأن الله يحب الذاكرين ولا يحب الغافلين، فإذا كانت عبادة الإنسان بدنية وقلبه غافل، كان فى غفلة، وإذا كانت طاعاته قلبيه أى قلبه ذاكر وروحه غافلة، فهو مازال فى غفلة، فلابد وأن تكون روحه ذاكرة ويكون ذاكرا بكلياته وجزئياته وظاهره وباطنه، فهذا هو المقصود من العبد لانتفاء الغفلة، وعليه لا يكون الدين خالصاً إلا إذا وفى الإنسان الطاعات البدنية والقلبية والروحية.

ولإيضاح ماسبق ذكره يقول الحق تبارك وتعالى ﴿إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِى﴾ ففى قوله تعالى ﴿إِنَّنِى﴾ مطالبة بالعبادة الروحية، وفى قوله تعالى ﴿أَنَا﴾ مطالبة بالعبادة القلبية، وفى قوله تعالى ﴿اللَّهُ﴾ مطالبة بالعبادة البدنية.

 

ومفهوم الدِّين عند ساداتنا الصوفية هو (الدَّيْن) والله سبحانه وتعالى هو الدائن والخلق هم المدينون له، والدَّيْن لا يكون خالصاً أى مُستوفى إلا إذا قام المدين بسداد دينه بتمامه (بالبدن والقلب والروح) ومما يوضح معنى أن الدِّين معناه الدَّيْن:

ذهب أحد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين إلى سيدنا رسول الله وقال له: إن أبى ادخر مالاً يجعله عند حد الاستطاعة لحج بيت الله الحرام ولكنه وافته المنية ومات ولم يحج.

وسأل صحابى آخر: إن أبى قد مات وكان يصلى يوماً وينقطع عن الصلاة يومين.

وسأل صحابى ثالث: فقال يا رسول الله لقد مات أبى قبل أن يقضى ما فاته من فرض الصيام.

وكان كل منهم يسأل رسول الله هل أؤدى عنه دينه؟ وكان يسكت فى كل مرة عن الجواب، ثم قال (أرأيت إذا كان لأبى أحدكم مالاً فمن الذى يرثه؟) قالوا: نحن يا رسول الله، فقال : (وإذا كان على أبى أحدكم دين فمن يؤديه؟) قالوا: نحن يا رسول الله، فقال : (دين الله أحق أن يقضى). وقد ورد فى مذهب الإمام مالك : أنه يجوز للإنسان أن يقوم بسداد دين أبيه من صلاة أو صيام أو زكاة أو حج.

والتصوف حقيقة هو رأس الدين لأنه عمل بجميع مراتبه من إسلام وإيمان وإحسان، فإذا ظن ظان أنه من الممكن أن يتعرف على معنى آية قرآنية أو حديث شريف وهو واقف عند حد ظاهر العبادات (الإسلام) فقط، فقد خاب ظنه لأنه لا يمكن للإنسان أن يتعرف على دقائق الأحكام الشرعية إلا إذا تخلص من أمراض القلب، فإذا تخلص منها وصفا قلبه، نظر بصفاء الهمة وثاقب الفهم لأى آية من كتاب الله أو حديث من أحاديث رسول الله فعرف تأويلها ومفهومها ومدلولها وميّز مرتبتها.

محمد خطاب

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصوفية فى موقع الطريقة البرهانية.

أسرة التحرير