كان .. ما .. كان

سيدنا موسى

 

قيل هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ووالدته هى يوخايد واسم زوجته صفورا بنت النبى شعيب، وكان فرعون مصر فى أيامه الوليد بن مصعب، وزوجته السيدة أسيا بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد فرعون سيدنا يوسف وروى أن الله تعالى لما قبض سيدنا يوسف، وهلك المُلك الذى كان معه وتوارثت الفراعنة مُلك مصر، لم يزل بنو إسرائيل تحت يد الفراعنة، وهم على بقايا من دينهم ممن شرّعوا فيهم سيدنا يوسف، وسيدنا يعقوب، وسيدنا إسحاق، وسيدنا إبراهيم، حتى جاء فرعون سيدنا موسى وكان أعتاهم على الله وأعظمهم قولاً وأطولهم عمراً واسمه الوليد بن مصعب، وكان يعذب بنى إسرائيل سوء العذاب، وروى أن فرعون قبل ولادة سيدنا موسى رأى فى منامه كأن ناراً جاءت من بيت المقدس فأحرقت القبط (أهل مصر) وتركت بنى إسرائيل وأخربت بيوت مصر، فدعا السحرة والكهنة فسألهم عن رؤياه، فقالوا: يخرج من هذا البلد الذى جاء بنو إسرائيل منه رجل يكون على وجهه هلاك مصر، فأمر أن لا يولد لبنى إسرائيل مولود إلا ذبح ويترك الجوارى، بل وصل بهم الأمر إلى شق بطون الحبالى من بنى إسرائيل.

وأمر فرعون أن يقوم بنى إسرائيل بخدمة قبط مصر بدلاً من غُلمانهم، ولم تمضى فترة طويلة حتى قذف الله الموت فى شيوخ بنى إسرائيل، فدخل روؤس القبط على فرعون وكلموه وقالوا: إن هؤلاء القوم قد وقع فيهم الموت، ونخشى أن يقع العمل على غُلماننا لأنك تذبح الصغار وتفنى الكبار، فلو أنك تُبقى من أولادهم، فأمر فرعون بذبح أولاد بنى إسرائيل سنة، ويُتركوا سنة، فوُلد سيدنا هارون فى السنة التى تركوا فيها، ولما جاءت السنة التالية كان جنود بنى إسرائيل يفتشون فى النساء عن الحوامل ليشقوا بطونهم ويقتلوا الأجنة، أم سيدنا موسى كانت حامل فيه فأتى الجنود ليفتشوا فى بيتهم عن الحوامل، فكان إذا وقفوا أمامها ينظرون إلى بطنها ذهب سيدنا موسى إلى ظهرها، وإن جاءوا من الخلف ذهب إلى الأمام وإن جاءوا من اليمين ذهب إلى اليسار وبالعكس فتركوها وذهبوا، إلى أن جاء موعد ولادته، جنود فرعون مستمرين فى تفتيش البيوت بحثاً عن إمرأة حامل أو طفل حديث المولد، وقفوا على باب البيت لكى يدخلوا لتفتيشه، أخت سيدنا موسى كانت بتخبز، فأمسكت بسيدنا موسى وهو رضيع وألقته فى الفرن، دخلوا فتشوا فلم يجدوا شئ وذهبوا، أخته جرت إلى الفرن لكى تخرجه من الفرن فوجدته بيرضع فى أصبعه، أخذته وذهبت به إلى أمه ...

ربنا سبحانه وتعالى يقول فى كتابه العزيز ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فى الْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ القصص 7، قامت أم سيدنا موسى بصنع صندوق من الخشب، ووضعته فيه ثم أغلقت الصندوق وسمرته، ثم رمته فى البحر اللى هو نهر النيل، فرعون كان بانى قصره فى النيل هو أمر بهذا فقاموا بدق أخشاب ضخمة فى وسط النيل كأوتاد ثم وضع فوقها أخشاب وعمل القصر فى البحر ووصله بالبر عن طريق كوبرى، فكان فرعون أول من عمل كوبرى، ربنا سبحانه وتعالى يقول ﴿وَفِرْعَوْنَ ذِى الْأَوْتَادِ الفجر 10، والآية 51 فى سورة الزخرف بتشير إلى ذلك الكلام ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فى قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِى مِنْ تَحْتِى أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾، أمر بأن يضع شِبْاك فى الأوتاد المدقوقة فى النيل لتمنع دخول أى شئ إلى القصر، أم سيدنا موسى لما رمته فى البحر التيار حمله وذهب به إلى الشبكة بتاعت فرعون، الخدم فى القصر شافوا الصندوق متعلق بالشبكة، نزل واحد شال الصندوق وأحضره أمام فرعون والسيدة آسيا، فلما فتحوا الصندوق ووجدوا الطفل قال فرعون: أقتلوه، قالت السيدة آسيا: لا تقتلوه الكلام اللى قالته نصاً كما جاء فى سورة القصص الآية 9 ﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِى وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ قالت كده ليه؟ علشان فرعون زوجها لم تكن له ذرية، فوافق فرعون لما السيدة آسيا قالت لفرعون ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ لِى وَلَكَ﴾ قال لها: لك، لا لى - سيدنا رسول الله قال (لو قال مثل ما قالت لهداه الله مثل ماهداها).

جابوا لسيدنا موسى المراضع من كل جهة لكنه رفض أن يرضع من إحداهن، ظل الوضع هكذا يومين أو ثلاثة أيام، احتاروا فى أمره وماذا يفعلون؟ أم سيدنا موسى طلبت من أخته أن تتبع الصندوق وتعرف ماسيحدث له دون أن يشعر بها أحد ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ القصص 11، ربنا سبحانه وتعالى يقول عن أم سيدنا موسى ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ القصص 10، هى كانت كأى أم تخشى على أبنائها فما بالك بما فعلته من وضعه فى صندوق وإلقائه فى اليم، فكادت أن تصيح: يا ابناه ... شفقة عليه، لكن ربنا سبحانه وتعالى بعد ما أفرغ فؤادها مما سوى الله، ربط على قلبها أى ملأه بمحبة الله فتساوى عندها كل شئ فى محبة الله سبحانه وتعالى.

أخته لما رأت مافعله مع المراضع ورفضه إياهم، تقدمت إليهم قائلة: أنا أدلكم على جماعة يكفلوه ويرضعوه ويربوه ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ القصص 12 فوافقوا، فانطلقت إلى أمها بأمرهم فجاءت بها فحملته فلما شم ريحها إلتقم ثديها وأخذ يرضع، وهم فى عجب مما يحدث، ربنا سبحانه وتعالى أرجعه كما قال لأمه، سيدنا موسى لما كبر شوية جاء فرعون ليسلم عليه ويلاعبه كأى طفل، سيدنا موسى أمسك بذقن فرعون وهزها بشدة هزة كادت أن تكسر رأسه، فصرخ فرعون وقال: خذوا الولد ده اقتلوه، السيدة آسيا قالت له: ده ولد صغير لسّه لا يعرف الكبير أو الصغير، فرعون قال: نمتحنه علشان نتأكد، جابوا له جمرة وبلحة ووضعوهما أمامه سيدنا موسى كان يريد أخذ البلحة، جاء سيدنا جبريل وهز إيده وجعله يمسك بالجمرة ووضعها على طرف لسانه، فاحترق طرف لسانه، فأصبح يتلجلج فى كلامه علشان كده لما شب وكبر طلب من ربنا سبحانه وتعالى ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِى طه 27، ... وقالوا سُمى سيدنا موسى بهذا الاسم لأنه وجد فى الماء وبين الشجر، والماء بالقبطية "مو"، والشجر "سا" فأُطلق عليه موسى.

فماذا حدث بعد ذلك؟                                  

أحمد نور الدين عباس