فى فضل الصلاة عليه

 

يقول صاحب البحر المديد فى تفسيره لآية ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب 33: 56.

وأيضاً: الرسول وزير مقرب، ومَن رام دخول حضرة الملوك يخدم الوزير، ويتقرّب إليه، حتى يُدخله على الملِك. فهو حجاب الله الأعظم، وبابه الأكرم، فمَن رام الدخول من غير بابه طُرد وأُبعد، وفى ذلك يقول ابن وفا:

وأنت بابُ الله، أىّ امرىء ... وفاه من غيرك لا يدخلِ

وقال الشيخ الجزولى فى دلائل الخيرات: وهى من أهم المهمات لمَن يريد القرب من رب الأرباب. وقال شارحه: ووجه أهميتها من وجوه، منها: ما فيها من التوسُّل إلى الله سبحانه بحبيبه ومصطفاه. وقد قال تعالى ﴿وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةِ﴾ المائدة : 35، ولا وسيلة إليه أقرب، ولا أعظم، من رسوله الأكرم .

ومنها: أن الله تعالى أمر بها، وحضَّنا عليها، تشريفاً له وتكريماً، وتفضيلاً لجلاله، ووعد مَن استعملها حُسن المآب، وجزيل الثواب، فهى من أنجح الأعمال، وأرجح الأقوال، وأزكى الأحوال، وأحظى القربات، وأعم البركات، وبها يتوصل إلى رضا الرحمن، وتنال السعادة والرضوان، وتجاب الدعوات، ويرتقى إلى أرفع الدرجات. وأوحى الله تعالى إلى موسى [يا موسى أتُريد أن أكون أقرب إليك من كلامك إلى لسانك، ومن وسواس قلبك إلى قلبك، ومن روحك إلى بدنك، ومن نور بصرك إلى عينيك؟] قال: نعم يا رب. قال [فأكثر من الصلاة على محمد ].

ومنها: أنه محبوب لله عزّ وجل، عظيم القدر عنده، وقد صلّى عليه وهو وملائكتُه، فوجبت محبة المحبوب، والتقرُّب إلى الله تعالى بمحبته، وتعظيمه، والاشتغال بحقه، والصلاة عليه، والاقتداء بصلاته، وصلاة ملائكته، وصلاة ملائكته عليه. قلت: وهذا التشريف أتم وأعظم من تشريف آدم، بأمر الملائكة بالسجود له؛ لأنه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة فى ذلك التشريف. فتشريف يصدر عنه مع ملائكته أبلغ من تشريف تختص به الملائكة.

ومنها: ما ورد فى فضلها، ووعَدَ عليها من جزيل الأجر وعظيم القدر، وفوز مستعملها برضا الله، وقضاء حوائج آخرته ودنياه.

ومنها: ما فيها مِن شُكر الواسطة فى نعم الله علينا المأمور، بشكره، وما من نعمة لله علينا، سابقة ولا لاحقة؛ من نعمة الإيجاد والإمداد، فى الدنيا والآخرة، إلا وهو السبب فى وصولها إلينا، وإجرائها علينا، فوجب حقه علينا، ووجب علينا فى شكر نعمته ألا نفتر عن الصلاة عليه، مع دخول كل نفس وخروجه.

ومنها: ما فيها من سير الاعتدال، الجامع لكمال العبد وتكميله، ففى الصلاة على رسول الله ذكر الله ورسوله، ولا كذلك عكسه، فلذلك كانت المثابرة على الأذكار والدوام عليها يحصل به الانحراف، وتُكسب نورانية تحرق الأوصاف، وتثير وهجاً وحرارة فى الطباع، والصلاة على رسول الله تُذهب وهَج الطِّباع، وتقوى النفوس؛ لأنها كالماء البارد، فكانت تقوم مقام شيخ التربية. انتهى كلامه.

قلت: والحق الذى لا غُبار عليه: إن الصلاة عليه ، والإكثار منها، تدلّ صاحبها على مَن يأخذ بيده، وتُوصله إلى شيخ التربية، الذى هو خليفة رسول الله ، إن كان صادق الطلب. فأن المشايخ يأمرون المريد إن رأوه أهلاً للتربية أن يلتزم الاسم المفرد، ويفنى فيه، حتى تنهدم به عوالمه، فإذا تحقق فناؤه وغاب عن نفسه ورسمه، ردُّوه إلى مقام البقاء، وحينئذ يأمرونه بالصلاة على رسول الله ، لتكون صلاته عليه كاملة، يُصلى على روحه وسره بلا حجاب، ويشاهده فى كل ساعة كما يشاهدونه. إنتهى كلام البحر المديد.

وأخرج أحمد والترمذى عن الحسين بن على أن رسول الله قال (البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علىَّ). وأخرج القاضى إسماعيل عن الحسن قال: قال رسول الله (كفى به شحاً أن يذكرنى قوم فلا يصلون على).

وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس والبيهقى فى الشعب عن أبى هريرة قالا: قال رسول الله (من نسى الصلاة علىَّ أخطأ طريق الجنة).

وأخرج الترمذى وحسنه عن أبى هريرة عن النبى قال (ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم).

وأخرج البيهقى فى شعب الإِيمان عن جابر قال: قال رسول الله (ما اجتمع قوم ثم تفرقوا عن غير ذكر الله، وصلاة على النبى إلا قاموا عن أنتن جيفة).

وعن أبى سعيد الخدرى عن النبى قال (لا يجلس قوم مجلساً لا يصلون فيه على النبى إلا كان عليهم حسرة، وإن دخلوا الجنة، لما يرون من الثواب).

وأخرج البيهقى فى الشعب عن أنس قال: قال رسول الله (أتانى جبريل فقال: رغم أنف امرىء ذكرت عنده فلم يصل عليك).

وأخرج الأصفهانى فى الترغيب والديلمى عن أنس قال: قال رسول الله (إن أنجاكم يوم القيامة من أهوالها ومواطنها أكثركم على فى دار الدنيا صلاة، إنه قد كان فى الله وملائكته كفاية، ولكن خص المؤمنين بذلك ليثيبهم عليه).

وأخرج الخطيب فى تاريخه والأصفهانى عن أبى بكر الصديق قال «الصلاة على النبى أمحق للخطايا من الماء البارد، والسلام على النبى أفضل من عتق الرقاب، وحب النبى أفضل من مهج الأنفس، أو قال من ضرب السيف فى سبيل الله». وأخرج ابن عدى عن ابن عمر وأبى هريرة قال: قال رسول الله (صلوا على، صلى الله عليكم).

وأخرج البيهقى فى شعب الإِيمان وابن عساكر وابن المنذر فى تاريخه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (إن أقربكم منى يوم القيامة فى كل موطن أكثركم على صلاة فى الدنيا، من صلّى على يوم الجمعة وليلة الجمعة مائة مرة قضى الله له مائة حاجة، سبعين من حوائج الآخرة، وثلاثين من حوائج الدنيا، ثم يوكل الله بذلك ملكاً يدخله فى قبرى كما يدخل عليكم الهدايا، يخبرنى بمن صلّى على باسمه ونسبه إلى عشرة، فأثبته عندى فى صحيفة بيضاء).

وأخرج البيهقى فى الشعب والخطيب وابن عساكر عن أبى هريرة قال: قال رسول الله (من صلّى على عند قبرى سمعته، ومن صلّى على نائياً كفى أمر دنياه وآخرته، وكنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة).

وأخرج ابن أبى شيبة وابن مردويه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله (أكثروا الصلاة على يوم الجمعة، فإنها معروضة على).

وأخرج عبد الرزاق وابن أبى شيبة والطبرانى والحاكم فى الكنى عن عامر بن ربيعة قال: قال رسول الله (من صلّى على صلاة صلّى الله عليه عشراً، فأكثروا أو أقلوا).

وأخرج الطبرانى وابن مردويه وابن النجار عن الحسن بن على قال: قالوا يا رسول الله أرأيت قول الله ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبى﴾؟ قال (إن هذا لمن المكتوم، ولولا أنكم سألتمونى عنه ما أخبرتكم! إن الله وكل بى ملكين لا أذكر عند عبد مسلم فيصلى على إلا قال ذانك الملكان: غفر الله لك، وقال الله وملائكته جواباً لذينك الملكين: آمين. ولا أذكر عند عبد مسلم فلا يصلى على إلا قال: ذلك الملكان لا غفر الله لك، وقال الله وملائكته لذينك الملكين: آمين).

وفى رواية للطبرانى قال: دخلت على رسول الله وأسارير وجهه تبرق، فقلت: يا رسول الله، ما رأيتك أطيب نفساً ولا أظهر بشراً من يومك هذا، قال (ومالى لا تطيب نفسي، ويظهر بشري؟ وإنما فارقنى جبريل عليه السلام الساعة، فقال: يا محمد، من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفعه بها عشر درجات، وقال له الملك مثل ما قال لك، قلت: يا جبريل، وما ذاك الملك؟ قال: إن الله عز وجل وكل ملكاً من لدن خلقك إلى أن يبعثك، لا يصلى عليك أحد من أمتك إلا قال: وأنت صلى الله عليك) ترغيب المنذرى.

اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

وعن ابن مسعود عن النبى قال (إن لله ملائكته سياحين، يبلغونى من أمتى السلام). المنذرى.

بل إنه يرد على من يسلم عليه، أخرج أحمد وأبو داود بإسناد صحيح عن أبى هريرة عن رسول الله قال (ما من أحد يسلم على إلا رد الله إلى روحى حتى أرد عليه السلام). المنذرى.

والسعيد من وفق للإكثار من الصلاة والسلام على حبيبى، خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام، أخرج أحمد وابن ماجه بإسناد حسن عن عامر بن ربيعة قال: سمعت رسول الله يخطب ويقول (من صلى على صلاة لم تزل الملائكة تصلى عليه ما صلى عل؛ فليقل عبد من ذلك أو ليكثر). المنذرى.

والصلاة على النبى سبب فى دفع الهموم وغفران الذنوب، أخرج أحمد فى مسنده، والترمذى فى سننه، والحاكم فى مستدركه عن أبى بن كعب قال: كان رسول الله إذا ذهب ربع الليل قام فقال (يا أيها الناس اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه)، قال أبى بن كعب: فقلت: يا رسول الله، إنى أكثر الصلاة، فكم أجعل لك من صلاتى؟ قال (ما شئت)، قال: قلت: الربع؟ قال (ما شئت، وإن زدت فهو خير)، قلت: النصف؟ قال (ما شئت، وإن زدت فهو خير)، قال: أجعل لك صلاتى كلها؟ قال (إذن تكفى همك، ويغفر لك ذنبك) قال الترمذى: حسن صحيح.

وفى رواية لأحمد (إذن يكفيك الله تبارك وتعالى ما همك من أمر دنياك وآخرتك)، وإسنادها جيد. اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

والمصلى على النبى يحظى بشفاعته ، أخرج مسلم بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبى يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا على، فإنه من صلى على صلاة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا لى الوسيلة، فإنها منزلة فى الجنة لا تنبغى إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون هو، فمن سأل لى الوسيلة حلت له الشفاعة). اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وأنزله المقام المحمود عندك.

إذا أنت أكثرت الصلاة على الذى      صلى عليه الله فى الآيات

وجعلتها ورداً عليك محتماً          لاحت عليك بشائر الخيرات

والمكثر من الصلاة والسلام على رسول الله يضرب البرهان الساطع والدليل القاطع على محبته لرسول الله، والحبيب يبشره بأنه مع من أحب، أخرج البخارى ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، كيف تقول فى رجل أحب قوماً، ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله (المرء مع من أحب).

اللهم ارزقنا حبك وحب رسولك ، واجعل اللهم حبك وحب رسولك أحب إلينا من المال والأهل والولد، وارزقنا مرافقته فى الجنان تفضلاً منك وإحساناً.

فاتقوا الله عباد الله، وحققوا محبتكم لرسول الله بالاتباع لسنته، والامتثال لأوامره، وأظهروا ذلك فى أعمالكم وأموالكم، واحفظوا لهذا الرسول الكريم مقامه، واسترشدوا بهديه واملؤوا أوقاتكم بالصلاة عليه.

وهناك مسألة الصلاة على النبى عند ذكره فى حديث قوله (آمين آمين) ثلاث مرات وهو يصعد المنبر ولما سئل عن ذلك قال (أتانى جبريل فقال يا محمد من ذكرت عنده ولم يصل عليك باعده الله فى النار فقل آمين فقلت آمين" وذكر بقية المسائل فإن بهذا يتعين تكرار الصلاة عليه عند كل ما يسمع ذكره صلوات الله وسلامه عليه وهنا عليه تكرار محاكاة المؤذن كما رجحه ابن عبد السلام.

د. إبراهيم الدسوقى

 
 

ومن أراد الاستزادة فليطلع على موقع النبى

أسرة التحرير