فى مناقب الخلفاء الاربعه

ابى بكر

عن عمر بن الخطاب فى قصة ذكرها قال: فقال عمر: والله لليلة من أبى بكر ويوم خير من عمر عمر، هل لك أن أحدثك بليلته ويومه؟ قال: قلت نعم، يا أمير المؤمنين قال: أما ليلته فلما خرج رسول الله هاربا من أهل مكة خرج ليلا فتبعه أبو بكر، فجعل يمشى مرة أمامه، ومرة خلفه، ومرة عن يمينه، ومرة عن يساره، فقال له رسول الله : (ما هذا يا أبا بكر؟ ما أعرف هذا من فعلك؟) قال: يا رسول الله، أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك، لا آمن عليك قال: فمشى رسول الله ليلته على أطراف أصابعه حتى حفيت رجلاه، فلما رآه أبو بكر أنها قد حفيت حمله على كاهله، وجعل يشتد به حتى أتى به فم الغار، فأنزله، ثم قال: والذى بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله، فإن كان فيه شيئ نزل بى قبلك، فدخل فلم ير شيئا، فحمله فأدخله، وكان فى الغار خرق فيه حيات وأفاع، فخشى أبو بكر أن يخرج منهن شيئ يؤذى رسول الله فألقمه قدمه فجعلن يضربنه ويلسعنه: الحيات والأفاعى، وجعلت دموعه تنحدر ورسول الله يقول له: (يا أبا بكر لا تحزن، إن الله معنا)، فأنزل الله سكينته وطمأنينته لأبى بكر، فهذه ليلته. وأما يومه فلما توفى رسول الله وارتدت العرب، فقال بعضهم: نصلى ولا نزكى، وقال بعضهم: لا نصلى ولا نزكى، فأتيته ولا آلوه نصحا، فقلت: يا خليفة رسول الله، تألف الناس وارفق بهم، فقال: جبار فى الجاهلية خوار فى الإسلام، فبماذا أتألفهم أبشعر مفتعل أو بشعر مفترى؟ قبض النبى وارتفع الوحى، فوالله لو منعونى عقالا مما كانوا يعطون رسول الله لقاتلتهم عليه. قال: فقاتلنا معه فكان والله رشيد الأمر فهذا يومه.

هذا هو أمير المؤمنين سيدنا عمر يمدح سينا أبو بكر بما يعجز هو أن يدركه فلله در القائل:

من كان فى هذا المقام يرى معى     صديق ذاك النور فوق الحاجب

وعن أبى الدرداء قال: كان بين أبى بكر وعمر محاورة فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه مغضبا، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له فلم يفعل حتى أغلق بابه فى وجهه، وأقبل أبو بكر إلى رسول الله، قال أبو الدرداء ونحن عنده فقال رسول الله: (أما صاحبكم هذا فقد غامر) قال وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى رسول الله، فقص على رسول الله الخبر، قال أبو الدرداء فغضب رسول الله ، وجعل أبو بكر يقول: يا رسول الله لأنا كنت أظلم، قال فقال رسول الله: (هل أنتم تاركون لى صاحبى، إنى قلت يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعا فقلتم كذبت، فقال أبو بكر صدقت)، وفى رواية البخارى: فجعل النبى يتمعر وجهه حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله أنا كنت أظلم. مرتين، فقال النبى: (إن الله عز وجل بعثنى إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت وواسانى بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لى صاحبى) مرتين، فما أوذى بعدها ، فانظر كيف حرص سيدنا أبو بكر على استرضاء سيدنا عمر ، وكيف كان سيدنا عمر هو الذى ذهب إلى رسول الله ليعنرف له بخطأه فى حق أخيه لأنه لم يقبل اعتذاره ، وكيف كان سيدنا أبو بكر حريصا على إيثار سيدنا عمر على نفسه بقوله "لأنا كنت أظلم"، وكيف مدح الرسول صديقيته وكرمه وحفظ له حقه على سائر الصحابة.

وعن على قال بينما أنا عند النبى إذ أقبل أبو بكر وعمر فقال هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ليس النبيين والمرسلين، يا على لا تخبرهما).

وعن أنس قال صلى رسول الله بأصحابه الصبح يوما ثم أقبل عليهم فقال: (أيكم أصبح صائما اليوم) قال عمر: بت يا رسول الله وأنا ناوى الإفطار فأنا مفطر. قال أبو بكر: بت يا رسول الله وأنا أنوى الصوم فأنا صائم. ثم قال: (فأيكم عاد مريضا اليوم) فقال عمر: يا رسول الله صلينا معك الغداة فلم نبرح. قال أبو بكر: أخبرت بالأمس أن أخى عبد الرحمن بن عوف وجع فمررت به قبل الصلاة فعدته. قال: (فأيكم أطعم مسكينا) قال عمر: صلينا معك الغداة ثم لم نبرح. قال أبو بكر: خرجت من عند عبد الرحمن بن عوف فوجدت مع عبد الرحمن أو عبد الله بن أبى بكر كسرة خبز شعير فأخذتها فأطعمتها مسكينا. قال: (أنت يا أبا بكر فأبشر بالجنة) قال: فتنفس عمر نفسا رفع به صوته، قال فقال له رسول الله كلمة رضيها، قال ثم قال: (إن عمر يقول لم أسابق أبا بكر إلى خير إلا سبقنى). فانظر معى؛ هل ترى أن رسول الله إنما سأل أصحابه ليوضح لهم فضل صاحبهم أبى بكر وكيف كان سباق بكل خير.

وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر يقول: أمرنا رسول الله أن نتصدق ووافق ذلك مالا عندى فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، فجئت بنصف مالى، فقال رسول الله: (ما أبقيت لأهلك) قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال له رسول الله: (يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك) قال: أبقيت لهم الله ورسوله. فقلت لا أسابقك إلى شيئ أبدا.

وعن ابن عباس أن رسول الله قال لأبى بكر وعمر: (ألا أخبركما بمثلكما فى الملائكة ومثلكما فى الأنبياء، مثلك يا أبا بكر فى الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثلك فى الأنبياء مثل إبراهيم قال: "فمن تبعنى فإنه منى ومن عصانى فإنك غفور رحيم" إبراهيم 36، ومثلك يا عمر فى الملائكة مثل جبريل ينزل بالشدة والبأس والنقمة على أعداء الله، ومثلك فى الأنبياء كمثل نوح قال: "رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا" نوح 26.

وعن أبى موسى الأشعرى قال: قال على بن أبى طالب: ألا أخبركم بخير الناس بعد رسول الله أبو بكر ثم بعد أبى بكر عمر ولو شئت أخبرتكم بالثالث لفعلت. وكان يريد بذلك عثمان ولكن ذلك كان قبل خلافته .

وعن علقمة بن قيس قال: خطبنا على على هذا المنبر فحمد الله وأثنى عليه وذكر ما شاء الله أن يذكر ثم قال: ألا إنه بلغنى أن ناسا فضلونى على أبى بكر وعمر، ولو كنت تقدمت فى ذلك لعاقبت فيه، ولكنى أكره العقوبة قبل التقدم، ومن قال شيئا من ذلك فهو مفتر، عليه ما على المفترى، إن خير الناس بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم أحدثنا بعدهم أحداثا يقضى الله فيها ما أحبه. ولم يذكر زمن عثمان كأنه لم يحب ذكر الفتنة التى حدثت ولامه بعض المسلمين عليها وإن كان هو من دافع عن سيدنا عثمان وكان ولداه الحسن والحسين يحرسان بابه جميعا، ولكن أراد الله له الشهادة فطلع قاتله المشؤم على الجدار ونفذ إليه. وذلك لأن سيدنا على يعلم حديث أبى هريرة الذى يقول فيه: أن رسول الله بايع أعرابيا بقلوص إلى أجل فقال: يا رسول الله إن عجلت بك منيتك فمن يقضينى. قال: (أبو بكر) قال: فإن عجلت بأبى بكر منيته فمن يقضينى. قال: (عمر) قال: فإن عجلت بعمر منيته فمن يقضينى. قال: (عثمان) قال: فإن عجلت بعثمان منيته فمن يقضينى. قال: (إن استطعت أن تموت فمت). ولا يخفى علينا أن رسول الله إنما أراد بذلك أن عمر الأعرابى لن يطول إلى زمن سيدنا على .

يقول سيدنا أبو بكر : كنا فى الهجرة وأنا عطش -شديد العطش- فجئت بمذقة لبن فناولتها للرسول ، وقلت له: اشرب يا رسول الله، يقول أبو بكر: فشرب النبى  حتى ارتويت !! وسأل النبى أبو بكر عما حبب إليه من الدنيا فقال:حبب إلى من الدنيا ثلاث؛ نظرى إليك وجلوسى بين يديك وإنفاق مالى عليك.

فرضى الله عن الصديق الحبيب المحبوب وأرضاه وأرضانا به أجمعين.

خالد محمد

 

من أهل بدر: أبى دجانة

هو أبو دجانة سماك بن أوس بن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة من بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج، وكان من فقراء الأنصار وكان رجلا شجاعاً، وآخى رسول الله بينه وبين عتبة بن غزوان، وشهد أبو دجانة بدرا وأحدا وثبت يومئذ مع رسول الله وبايعه على الموت وشهد اليمامة  وكان فى شرك فى قتل مسليمة وقتل أبو دجانة يومئذ شهيدا.

وعندما شج وجه رسول الله فى يوم أحد دخل على بن أبى طالب فلقى فاطمة فقال: خذى عنى هذا السيف غير ذميم، وانكب على رسول الله يغسل جرحه، فقال رسول الله : (يا على! إن كنت أحسنت القتال اليوم فقد أحسنه أبو دجانة ومصعب بن عمير والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف). ثم عرض رسول الله السيف على أصحابه، يقول أنس : أن النبى أخذ سيفه وأصحابه حوله فقال: (من يأخذ هذا السيف؟) فبسطوا أيديهم يقول هذا: أنا، وهذا: أنا، فقال: (من يأخذه بحقه؟) قال: فأحجم القوم. فقال سماك أبو دجانة: أنا آخذه بحقه، فدفعه إليه رسول الله ففلق به هام المشركين.

ويروى الزبير بن العوام عن هذا اليوم عندما عرض رسول الله سيفه بعد أن أعاده الإمام على بن أبى طالب فيقول: قال رسول الله : (من يأخذه بحقه؟) قلت: يا رسول الله، أنا. فأعرض عنى مرة فقلت: ما أعرض عنى إلا من شر هو فى، ثم قال : (من يأخذ هذا السيف بحقه؟) فقلت: أنا. فأعرض عنى مرتين أو ثلاثة، فقال أبو دجانة: أنا آخذه فأضرب به حتى ينثنى- أو كلمة نحوها- فأعطاه السيف، قال الزبير: فاتبعته لأنظر ما يصنع، فجعل لا يأتى رجلا من المشركين إلا قتله، فأتى رجلا كان عاطنًا فى القتال فقتله، وأتى على امرأة، وهى تقول: إن تقبلوا نعانق ونفترش النمارق، أو تدبروا نفارق فراق غير وامق. قال: فشهر عليها السيف فنادت يا آل صخر، فلم يجبها أحد، فكف يده عنها، فقلت: يا أبا دجانة، كل صنيعك قد رأيته فأعجبنى حتى أتيت المرأة فشهرت عليها السيف، ثم كففت عنها. قال: إنها نادت فلم يجبها أحد فكرهت أن أضرب بسيف رسول الله امرأة لا ناصر لها.

وعن محمد بن إسحاق قال: كان أبو دجانة حين أخذ السيف من يد رسول الله قاتل به قتالا شديدا، وكان يقول: رأيت إنسانا يخمس الناس –يحمسهم على القتال بكلام شديد- خمسا شديدا، فصمدت له، فلما حملت عليه ولولت، فإذا هى امرأة، فأكرمت سيف رسول الله أن أضرب به امرأة. فقال أبو دجانة: أنا الذى عاهدنى خليلى، ونحن بالسفح لدى النخيل، أن لا أقوم الدهر فى الكيول -المرأة- أضرب سيف الله والرسول.

وروى أن كعب بن مالك قال: كنت فيمن خرج من المسلمين، فلما رأيت مثل المشركين بقتلى المسلمين قمت فتجاوزت، فإذا رجل من المشركين جمع اللأمة -الدرع الحصينة وبيضة الرأس، من لباس الحرب- يجوز المسلمين ويقول: استوسقوا كما تستوسق جرد الغنم –يقصد الغنم الجرداء بغير شعر- قال: وإذا رجل من المسلمين قائم ينتظره وعليه لأمته، فمضيت حتى كنت من ورائه، ثم قمت أقدر المسلم والكافر ببصرى، فإذا الكافر أفضلهما عدة وهيئة، قال: فلم أزل أنتظرهما حتى التقيا، فضرب المسلم الكافر على حبل عاتقه ضربة بالسيف بلغت وركه، وتفرق فرقتين، ثم كشف المسلم عن وجهه فقال: كيف ترى يا كعب، أنا أبو دجانة.

وقد كان أبو دجانة أحد من بايعوا الرسول على الموت يوم أحد، فقد بايع رسول الله عصابة من أصحابه على الموت يوم أحد حتى انهزم المسلمون فصبروا وكرموا وجعلوا يسترونه بأنفسهم يقول الرجل منهم: نفسى لنفسك الفداء يا رسول الله وجهى لوجهك الوقاء يا رسول الله وهم يحمونه ويقونه بأنفسهم، حتى قتل منهم من قتل وهم أبو بكر وعمر وعلى والزبير وطلحة وسعد وسهل بن حنيف وابن أبى الأفلح والحارث بن الصمة وأبو دجانة والحباب بن المنذر قال: ونهض رسول الله إلى الصخرة ليعلوها وقد ظاهر بين درعين فلم يستطع فاحتمله طلحة بن عبيد الله فأنهضه حتى استوى عليها فقال رسول الله : أوجب طلحة.

وعن محمود بن عمرو بن يزيد بن السكن، أنه ترس دون رسول الله أبو دجانة بنفسه، يقع النبل فى ظهره وهو منحن على رسول الله حتى كثرت فيه النبل

عن ابن شهاب قال: خفى خبر رسول الله يوم أحد على الناس كلهم إلا على ستة نفر الزبير وطلحة وسعد بن أبى وقاص وكعب بن مالك وأبى دجانة وسهل بن حنيف. وهو يقصد بذلك ما أشيع وقتها بأن الرسول قد قتل.

وأما فى يوم خيبر: فعندما قام رسول الله على قلعة يقال لها سموان، وقاتل عليها أهل الحصن قتالا شديدا، خرج رجل من اليهود يقال له غزال، فدعا إلى البراز فبرز له الحباب بن المنذر ، فاختلفا ضربات ثم حمل عليه الحباب فقطع يده اليمنى من نصف الذراع، فوقع السيف من يد غزال وكان أعزل فبادر راجعا مستهزما إلى الحصن وتبعه الحباب فقطع عرقوبين فوقع فذفف عليه –أجهز عليه- فخرج آخر فصاح: من يبارز؟ فبرز له رجل من المسلمين من آل جحش فقُتل الجحشى، وقام -الكافر- مكانه يدعو إلى البراز، فبرز له أبو دجانة قد عصب رأسه بعصابة حمراء فوق المغفر -زرد أو غطاء ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة- يختال فى مشيته فبدره أبو دجانة فضربه فقطع رجليه، ثم ذفف عليه وأخذ سلبه -ما يأخذه أحد القِرْنَيْن فى الحرب من قِرْنِه، مما يكون عليه ومعه من ثياب وسلاح ودابة- ودرعه وسيفه، فجاء به إلى رسول الله فنفله ذاك، وأحجموا عن البراز، فكبر المسلمون، ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه يقدمهم أبو دجانة فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما وهرب من كان فيه من المقاتلة وتقحموا الجدر كأنهم الطباء.

وعندما خرج رسول الله من خيبر إلى وادى القرى، عبى رسول الله أصحابه للقتال، وصفهم ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى عباد بن بشر، ثم دعا اليهود إلى الإسلام، وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم، وحقنوا دماءهم، وحسابهم على الله، فبرز رجل منهم، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه على فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه أبو دجانة فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلا، كلما قتل منهم رجل دعا من بقى إلى الإسلام ... واستمروا كذلك حتى نصروا.

فكان أبو دجانة دائما مجاهدا بنفسه مقداما شجاعا محبا مع رسول الله ، حتى أن جابر بن عبد الله قال: بينا رسول الله يوما فى مسجد المدينة، فذكر بعض أصحابنا الجنة، فقال له النبى : (يا أبا دجانة، أما علمت أن من أحبنا، وامتحن بمحبتنا أسكنه الله تعالى معنا) وتلا هذه الآية: ﴿فى مقعد صدق عند مليك مقتدر﴾.

سعيد صالح

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصحابة فى موقع الأحباب

أسرة التحرير