إلا المودة 2

 إلا المودة ما سألنا حبنا     إن المودة رفعة ورشاد

نتابع دراسة هذا البيت العاشر من القصيدة السادسة والأربعون من ديوان شراب الوصل لسيدى الإمام فخر الدين والتى استهلها بيا أهل بدر يا صحابة أحمد فنقول بقول شيخنا :

فإن غمت معانيها عليكم      فإنى فى كلامى قد حضرت

وهذا هو البيت الأخير من القصيدة الحادية والاربعون، جعله الله حاضراً معنا بقدرتة وإذنه إنشاء الله تعالى، نجد أن هذا البيت الذى نتوسل به ليكون شيخنا حاضرا معنا فى آخر القصيده الحاديه والأربعون نجد مطلع القصيدة وهو أول بيت فيها يقول:

ولا يستنكف الأحباب نصحى     لوجه الله إنى قد نصحت

فأين ومتى نصح؟ كان ذلك فى إبريل سنة إلف وتسعمائه وثلاثه وثمانون فى نفس الديوان فى الفصيده الأولى فى البيت التاسع والعشرين قوله:

نصحت لوجه الله أبغى رضاءه       وحب ذوى القربى وبرأت ذمتى

وبالرجوع إلى البيت المراد البحث فيه وهو:

إلا المودة ما سألنا حبنا      إن المودة رفعة ورشاد

بدأ عنه بأداة الاستثناء ليكون الموضوع مقصوراً ومحصوراً فى المودة لأنه الجزاء عليها من الله تعالى والأمر بها هو الله تعالى ولأنها ليست أجراً وإنما هى السؤال المستثنى بإلا لأنها فى الآية أقصد إلا استثناء منقطع كما يقول علماء اللغة فى التفسير, فالآية تقول:

﴿ذَلِكَ الَّذِى يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾.

فلو كان الاستثناء متصل لكانت المودة أجراً, وإنما الاستثناء منقطع فيكون الاستثناء من السؤال وليس من الأجر.

وبمعنى آخر أجر هى الكلمة التى تسبق إلا التى هى أداة الاستثناء، وهى ملتصقه بإلا فلو أن الاستثناء هنا متصل أى اعتبرناه هكذا لكان الاستثناء من الأجر ولكن لما كان العطاء كبيراً فى الآية السابقة لها وهى الثانيه والعشرون من سورة الشورى والتى يقول المولى تبارك وتعالى فيها ﴿تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِى رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾.

فلا نستطيع أن نقول أن المودة هى المكافئة لهذا العطاء الربانى وجعلنا لهذا العطاء ثمن فكان لزاماً علينا أن نقول الاستثناء منقطع أى ليس من الكلمة الملتصقة بأداة الاستثناء وإنما من السؤال المذكور قبل هذه الكلمة أى قل لهم ياحبيبى يا سيد الرسل أنا لا أسألكم عليه أجراً وإنما أسألكم سؤالاً واحداً وهذا السؤال فى مصلحتكم لأن نتيجته من الله تعالى الحسنى والمغفرة والشكر كما ورد فى الآية فكيف تكون المودة لهم أجراً وأنت مهما وددت وأخذت لهم من حطام الدنيا فإن الله يجازيك به الحسنى وهى المشاهدة والتوفيق فى الطريق لتكون معهم ثم المغفرة والشكر من الله تعالى كما جاء فى تفسير سيدى محى الدين الجزئين.

ولا وجه للمقارنة بين ما دفعت وما أخذت من الله بسببهم فكيف يكون أجراً, وذِكْرُ المولى تبارك وتعالى فى كتابه المودة ولم يقل المحبة فالمودة هى المحبة مع جلب المنفعة وهى أن تأخذ معك ولو شيئاً يسيراً لمن تحب تعبيراً عن محبتك له ثم إن المحبة لا تثبت ألا بالمودة فكأنما قال سبحانه إلا المحبة الشديدة التى يتبعها مودة تعبيراً عن هذا الحب وإن أردت الاستزادة فى هذا الشأن عليك بتفسير الآية لسيدى محى الدين بن العربى الأربعه أجزاء للشيخ غراب.

وانظر ياأخى الحبيب أنت تود من؟ البعض يقول أقرباءنا وهنا نقول لهم هل نزل فيهم قرآناً، فربما كان أقرباءكم لا يصلون ولا يصومون وهم ضالون مثلاً فهل مودتهم هى المقصودة فى الآية وإن سلمنا لك بأنهم أقرباءك ألم تقرأ قوله سبحانه ﴿النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِى الْكِتَابِ مَسْطُورًا﴾ إذاً قرابته أخص من قرابتك وأن الله أنزل فيهم قرآناً يتلى ويتعبد به, وطهرهم من فوق سبع سماوات حيث يقول تعالى فى سورة الأحزاب ﴿وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾.

فالإرادة الإلهية حيث يقول المولى تبارك وتعالى إنما يريد نافذة لا محاله ولا يقف أمامها شئ يردّها أو يعطلها فمن كان الله معه فمن ذا الذى يكون عليه؟!!

وإذا كان المعنى كما يظن البعض أنه خطاب من الله مفاده أن امتثلوا لأمر الله حتى يذهب عنكم الرجس يا أهل البيت نقول لهم هذا المعنى منطبق على عامة الناس فإذا امتثلوا لأمر الله أذهب عنهم الرجس. ولكانت الآية: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أيها الناس أى لكان الخطاب للعموم.

ولكن الله سبحانه قد فضل بعض الناس على بعض فمثلاً يقول سبحانه ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ • ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ فالاصطفاء والتفضيل هنا منسحب حتى على ذرياتهم فهذا أمر الله يفعل ما يريد والمعترض على هذا لا يكون إلا إبليساً آخر لأن الله تعالى عندما فضل آدم على الملائكة اعترض إبليس فانطرد من رحمة الله تعالى, ففضل أهل بيت النبى على الناس عامة فضل كبير أرادَهُ الله وبَيَّنه لنا رسول الله وقال فيه الكثير مثل الحديث الصحيح مثل: (مثل أهل بيتى فيكم كسفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك) أو كما قال .

ثم إن الله سبحانه وتعالى جعل المتعلق بهم ناج والمضاف إليهم يشرف بشرفهم مثل الحديث: (سلمان منا أهل البيت) وهو فارسى من بلاد فارس والحديث: (صهيب منا أهل البيت) وهو رومى فقد فضلهم الله وترك لنا الباب على مصراعيه لأن ندخل معهم بالإضافة بالمحبة والمودة فلم الحقد والكراهية وسد أبواب الخير؟!!

نتعرض لهذا الموضوع وهو فضل أهل البيت باستفاضه أكثر العدد المقبل لكى لا يكون لأحد حجة وحتى لا يجهل البعض لما أمرنا المولى تعالى بمودتهم فإن فى مودتهم كل الخير بل بمودتهم ومحبتهم تحصل الإضافة إليهم فنكون منهم مثل سلمان وصهيب ، ونشرف بشرفهم ونحظى بذلك الفضل الكبير وتكون لنا من الله الحسنى فنتبعهم ونوفق فى الاتباع حتى نشابههم ونتطهر بهم فنحشر معهم ويذهب الله الرجس عنا بهم أليس هذا أولى؟ أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله؟

فإلى العدد القادم لنوضح بعض هذا الفضل ونعرف كيفية التعامل معهم حتى نسلم من مرض الحقد عليهم وأمراض الإنكار لفضلهم وفقنا الله إلى محبتهم ومودتهم وحشرنا معهم فى الدنيا والآخره وصلى الله على جدهم منبع كل فضل وخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

محمد مقبول