الإمام السبط

الحسن بن على بن أبى طالب

هو الإمام السبط (أحد سيدى  شباب أهل الجنة) أبو محمد الحسن بن على  بن أبى طالب الهاشمى  القرشى  .

والده: ابن عم النبى ، وربيبه، باب مدينة العلم، أمير المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين، أحد العشرة المبشرين بالجنة. وأمه: سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء بنت رسول الله وبضعته وقرة عينه.

ولد سيد شباب أهل الجنة فى  المدينة المنورة ليلة النصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وأذن رسول الله فى  أذنه، وحنكه بتمرة مضغها ، ثم أخذ منها بأصبعه الشريفة ووضعها فى فم الإمام الحسن، وعق (ذبح) عنه سابع مولده، وأمر أن يتصدق بوزن شعره فضة، وسماه الحسن بعد أن كان والده سماه (حرباً)، ولم يكن اسم (الحسن) معروفاً عند العرب قبل ذلك، فهو أول من تسمى به وهو أكبر ولد أبويه، ومن ألقابه: الزكى  والمجتبى .

وقد كان رسول الله يحبه حبا شديدا حتى كان يقبل رقبته وهو صغير وربما مص لسانه واعتنقه وداعبه، وربما جاء ورسول الله ساجدا فى الصلاة فركب على ظهره فيقره على ذلك ويطيل السجود من أجله، ومما رواه البخارى فى صحيحه: أنه كان يقول: (اللهم إنى أحب حسنا فأحبه وأحب من يحبه). تدليلا على شدة حبه له.

نشأ الحسن فى  بيت النبوة متعلقاً بجده رسول الله ، عن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله واضعاً الحسن بن عليّ علـى عاتقه، وهو يقول: (اللهم إنى  أحبه فأحبه) رواه الشيخان.

وكان عليه الصلاة والسلام يلاغيه ويكثر السلام عليه والسؤال عنه، ويقول: أبو هريرة كنت مع النبى ، فى السوق فانصرف وانصرفت معه فجاء إلى فناء فاطمة فقال: أى لكع أى لكع أى لكع فلم يجبه أحد فانصرف وانصرفت معه إلى فناء فقعد، قال: فجاء الحسن بن على، فلما دخل التزمه رسول الله والتزم هو رسول الله ثم قال: (إنى  أحبه وأحب من يحبه)، ثلات مرات.

وروى البخارى  من حديث أبى بكرة قال: رأيت النبى على المنبر، والحسن بن علىّ إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة وعلى الحسن أخرى، ويقول: (إن ابنى  هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين).

وكان الحسن أشبه خلق الله برسول الله ، فقد روى الشيخان من حديث أبى  جحيفة قال: رأيت النبى ، وكان الحسن يشبهه.

وقد جاء فى فضل الإمام الحسن وفضل أخيه الإمام الحسين أحاديث كثيرة منها ما رواه أبو هريرة قال: خرج رسول الله ومعه الحسن والحسين، هذا على عاتقه وهذا على عاتقه وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا فقال: (من أحبهما فقد أحبنى، ومن أبغضهما فقد أبغضنى).

وترعرع سيدنا الإمام الحسن وهو غلام فى  بيت سيد الأنام عليه الصلاة والسلام فتأدب بأدبه وتعلم من علمه، وتربى على تربيته حتى بلغ الذروة فى  الأدب، إنه تربية مدرسة النبوة. ومن معالم تربية النبى له أنه رآه رسول الله مرة يضع تمرة من تمر الصدقة فى فمه، فنزعها وقال: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة.

وفيه وفى آل البيت نزلت الآية الكريمة: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾.

انتقل رسول الله والحسن غلام دون الثامنة، ثم توفيت والدته السيدة فاطمة الزهراء بعد ستة شهور من وفاة الرسول ، فكان لهذين الحدثين أثر كبير فى  تكوين شخصيته، بل كان لهذين الحدثين أثر كبير فى آل البيت جميعاً وفى المسلمين.

وقد شهد الحسن خلافة أبى بكر وعمر وعثمان قبل خلافة أبيه، وأدرك كبار أصحاب رسول الله وتأدب بآدابهم، وشهد عدداً من الأحداث.

وكان الحسن قد شغف به أبو بكر حبا، وحدث عقبة بن الحارث أن أبا بكر صلى بهم العصر بعد وفاة الرسول ، ثم خرج هو وعلى يمشيان فرأى الحسن يلعب مع الغلمان فاحتمله على عنقه وجعل يقول: بأبى شبه النبى  ليس شبيها بعلى، قال: وعلى  يضحك.

وكان عمر يجله ويعظمه ويكرمه ويحبه ويتفداه، فقد روى الواقدى أن عمر لما عمل الديوان فرض للحسن والحسين مع أهل بدر خمسة آلاف. وقد جاء ولده يطالبه بأن يساوى  بينه وبين الحسن والحسين فى  العطاء، فقال عمر: ائتنى بأب كأبيهما وأم كأمهما وجد كجدهما.

وقد كان ذو النورين يحب الحسن والحسين ويكرمهما وقد قابلاه بنفس الإحساس والشعور، فعندما حوصر عثمان يوم الدار كان الحسن عنده ومعه السيف متقلدا يحاجج عن عثمان وكان على بابه يدافع عنه حتى تخضب وجهه بالدماء فخشى  عثمان عليه فأقسم عليه ليرجعن إلى منزله، تطييبا لقلب على وخوفا عليه .

وأما على بن أبى طالب فحدث عنه ولا حرج فلقد كان مغرما بالحسن مكرما له إكراما زائدا ويعظمه ويجله. وقد قال له يوما يا بنى: ألا تخطب حتى أسمعك؟ فقال: إنى استحى أن أخطب وأنا أراك. فذهب على فجلس حيث لا يراه الحسن ثم قام الحسن فى الناس خطيبا وعلى  يسمع، فأدى خطبة بليغة فصيحة، فلما انصرف جعل على يقول: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.

وشهد مبايعة والده الإمام على بالخلافة، وما تبعها من الأحداث مثل وقعة الجمل وموقعة صفين.

وكان ابن الزبير يقول: والله ما قامت النساء عن مثل الحسن بن على، وكان الحسن إذا صلى الغداة فى مسجد رسول الله يجلس فى ه حتى ترتفع الشمس ويجلس إليه من سادات الناس من يجلس يتحدثون عنه ثم يقوم إلى أمهات المؤمنين رضى الله عنهن وربما اتحفنه ثم ينصرف إلى منزله.

وكان له من الولد خمسة عشر ذكراً وثمان بنات، ومن أولاده ( زيد، والحسن المثنى، وعمرو،  والقاسم، وعبد الله، وعبد الرحمن، والحسن المثلث، وطلحة) ونسله إنما جاء من ولديه الحسن وزيد.

كرمه وعبادته:

كان الحسن تقياً ورعاً، وشجاعاً صبوراً، أدى به ورعه وفضله إلى ترك الخلافة والدنيا رغبة فيما عند الله، وكان جواداً قاسم الله ماله ثلاث مرات، أى تصدق بنصف ماله، وخرج من ماله كله مرتين، وكان يكثر زيارة بيت الله العتيق، ويروى أنه حج خمسا وعشرين حجة ماشياً وإن الإبل لتقاد معه، وعن محمد بن على قال الحسن: إنى لأستحى من ربى عز وجل أن ألقاه ولم أمش إلى بيته، وكان مصاحبا للقرآن الكريم لا يغيب عنه ليلا أو نهارا.

وكان من الكرم على جانب عظيم؛ فروى أن الحسن سمع رجلاً يسأل ربه عز وجل أن يرزقه عشرة آلاف؛ فانصرف الحسن فبعث بها إليه.

وذكرو أن الحسن رأى غلاما أسود يأكل من رغيف لقمة ويطعم كلبا هناك لقمة، فقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: إنى  استحى  منه آكل ولا أطعمه فقال له الحسن: لا تبرح مكانك حتى آتيك فذهب إلى سيده فاشتراه، واشترى الحائط الذى  هو فيه، فأعتقه وملكه الحائط فقال الغلام: يا مولاى، قد وهبت الحائط للذى وهبنى له.

وكان سبط النبى خارجا عن سلطان بطنه فلا يشتهى ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان لا يسخط ولا يتبرم.

روايته للحديث:

وقد روى الإمام الحسن الحديث عن جده رسول الله ، وعن أبيه وأخيه الحسين ، وعن بعض كبار الصحابة، وروى عنه خلق كثير، وقد علمه الرسول أن يقول فى  دعاء القنوات: (اللهم اهدنى فيمن هديت ... إلى آخر الدعاء)، ومن أشهر حديثه حديث صفة النبى وشمائله.

مبايعته بالخلافة:

ولما استشهد والده بايعه أهل العراق وخراسان بالخلافة، واستمرت خلافته نحو ستة أشهر، وكادت الحرب أن تقع بينه وبين معاوية بن أبى سفيان لولا حنكته وبعد نظره، فقد قبل بعد مفاوضات ومراسلات التنازل عن الخلافة لمعاوية لتكون الخلافة واحدة فى المسلمين جميعاً، ولإنهاء الفتنة وإراقة الدماء، وتم ذلك فى نصف شهر جمادى الأولى سنة (41هـ)، وسمى هذا العام (عام الجماعة) لأنه وحد بين المسلمين، وتحققت فيه بشارة الرسول بسيادته وإصلاحه بين فئتين عظيمتين من المسلمين: (إن ابنى  هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين).

وكان الإمام الحسن يقول: (ما أحببت أن لى  أمر أمة محمد على أن يهراق فى ذلك محجمة دم).

وفاتــــه:

بعد صلحه رضى الله عنه بين المسلمين عاش فى المدينة المنورة التى ولد فيها وأحبها، وفى  يوم من الأيام رأى فى منامه أنه مكتوب بين عينيه قل هو الله أحد ففرح بذلك فبلغ ذلك سعيد بن المسيب فقال: إن كان رأى هذه الرؤيا فقل ما بقى  من أجله، وهذا الذى وقع فقد سُقى الحسن السم مرات، حتى قطع السم أمعاءه فجاءه أخوه الحسين، وهو فى آخر أنفاسه فقال له: من سقاك السم؟ فقال: ولما يا أخى؟ قال: أقتله والله قبل أن أدفنك، ولا أقدر عليه أو يكون بأرض فأتكلف الشخوص عليه، فقال: يا أخى  إن الدنيا فائتة دعه حتى التقى أنا وهو عند الله، وأبى أن يسميه.

ففى رحاب الجنة سيد شباب أهل الجنة، فلقد قال الرسول فى حقه وأخيه: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما. رضى الله تعالى عن سيد شباب أهل الجنة، وأرضاه وأرضانا به، ونقول: وهل فى الجنة غير الشباب، فعن النبى أنه لما عرج به إلى السماء رأى أنه كان مكتوبا بقلم من نور على العرش إن الحسن مصباح الهدى وسفينة النجاة.

وتوفى  رحمه الله بالمدينة سنة 49هـ، وفى  رواية سنة 50هـ، وله من العمر 47 سنة، وكان قد أوصى أن يدفن مع جده عليه السلام فى  حجرة السيدة عائشة، وإن خيف أن يكون قتال فليدفن فى  مقبرة البقيع، وهكذا كان فدفن فى  بقيع الغرقد بجوار أمه السيدة فاطمة الزهراء .

سمير جمال

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصحابة فى موقع الأحباب

أسرة التحرير