الصحابى الجليل: أبو الدرداء

 

أى حكيم كان أبو الدرداء؛ بينما كانت جيوش الاسلام تضرب فى مناكب الأرض هادرة ظافرة كان يقيم بالمدينة فيلسوف عجيب وحكيم تتفجر الحكمة من جوانبه فى كلمات تناهت نضرة وبهاء. وكان لا يفتأ يقول لمن حوله "ألا أخبركم بخير أعمالكم, وأزكاها عند باريكم وأنماها فى درجاتكم، وخير من أن تغزو عدوّكم, فترضبوا رقابهم ويضربوا رقابكم, وخير من الدراهم والدنانير؟" وتشرئب أعناق الذين ينصتون له ويسارعون بسؤاله "أى شيئ هو يا أبا الدرداء" ويستأنف أبو الدرداء حديثه فيقول ووجهه يتألق تحت أضوء الايمان والحكمة "ذكر الله ولذكر الله أكبر".

لم يكن هذا الحكيم العجيب يبشر بفلسفة انعزالية ولم يكن بكلماته هذه يبشر بالسلبية, ولا بالانسحاب من تبعات الدين الجديد تلك التبعات التى يأخذ الجهاد مكان الصدارة منها، أجل.. ما كان أبو الدرداء ذلك الرجل, وهو الذى حمل سيفه مجاهدا مع رسول الله منذ أسلم, حتى جاء نصر الله والفتح بيد أنه كان من ذلك الطراز الذى يجد نفسه فى وجودها الممتلئ الحىّ, كلما خلا الى التأمل, وأوى الى محراب الحكمة, ونذر حياته لنشدان الحقيقة واليقين. ولقد كان حكيم تلك الأيام العظيمة أبو الدرداء انسانا يتملكه شوق عارم الى رؤية الحقيقة واللقاء بها.. واذ قد آمن بالله وبرسوله ايمانا وثيقا, فقد آمن كذلك بأن هذا الايمان بما يمليه من واجبات وفهم, هو طريقه الأمثل والأوحد الى الحقيقة وهكذا عكف على ايمانه مسلما الى نفسه, وعلى حياته يصوغها وفق هذا الايمان فى عزم, ورشد, وعظمة ومضى على الدرب حتى وصل وعلى الطريق حتى بلغ مستوى الصدق الوثيق.. وحتى كان يأخذ مكانه العالى مع الصادقين تماما حين يناجى ربه مرتلا آياته ﴿ان صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العلمين﴾ أجل.. لقد انتهى جهاد أبى الدرداء ضدّ نفسه, ومع نفسه الى تلك الذروة العالية الى ذلك التفوق البعيد الى ذلك التفانى الرهبانى, الذى جعل حياته, كل حياته لله رب العالمين.

والآن تعالوا نقترب من الحكيم والقدّيس ألا تبصرون الضياء الذى يتلألأ حول جبينه؟ ألا تشمّون العبير الفوّاح القادم من ناحيته انه ضياء الحكمة, وعبير الايمان.. ولقد التقى الايمان والحكمة فى هذا الرجل الأوّاب لقاء سعيدا, أى سعيد؛ سئلت أمه عن أفضل ما كان يحب من عمل.. فأجابت" التفكر والاعتبار". أجل لقد وعى قول الله فى أكثر من آية ﴿فاعتبروا يا أولى الأبصار﴾ وكان هو يحضّ اخوانه على التأمل والتفكّر يقول لهم "تفكّر ساعة خير من عبادة ليلة".. لقد استولت العبادة والتأمل ونشدان الحقيقة على كل نفسه.. وكل حياته ويوم اقتنع بالاسلام دينا, وبايع الرسول على هذا الدين الكريم, كان تاجرا ناجحا من تجار المدينة النابهين, وكان قد قضى شطر حياته فى التجارة قبل أن يسلم, بل وقبل أن يأتى الرسول والمسلمون المدينة مهاجرين, بيد أنه لم يمض على اسلامه غير وقت وجيز حتى..

أرأيتم كيف يتكلّم فيوفى القضيّة حقها, وتشرق الحكمة والصدق من خلال كلماته انه يسارع قبل أن نسأله: وهل حرّم الله التجارة يا أبا الدرداء؟ يسارع فينفض عن خواطرنا هذا التساؤول, ويشير الى الهدف الأسمى الذى كان ينشده, ومن أجله ترك التجارة برغم نجاحه فيها، لقد كان رجلا ينشد تخصصا روحيا وتفوقا يرنو الى أقصى درجات الكمال الميسور لبنى الانسان لقد أراد العبادة كمعراج يرفعه الى عالم الخير الأسمى, ويشارف به الحق والحقيقة فى مشرقها, ولو أرادها مجرّد تكاليف تؤدّى, ومحظورات تترك, لاستطاع أن يجمع بينها وبين تجارته وأعماله فكم من تجار صالحين.. وكم من صالحين تجار ولقد كان من أصحاب رسول الله من لم تلههم تجارتهم ولا بيعهم عن ذكر الله.. بل اجتهدوا فى انماء تجارتهم وأموالهم ليخدموا بها قضية الاسلام, ويكفوا بها حاجات المسلمين.. ولكن منهج هؤلاء الأصحاب, لا يغمز منهج أبو الدرداء, كما أن منهجه لا يغمز منهجهم, فكل ميسّر لما خلق له وأبو الدرداء يحسّ احساسا صادقا أنه خلق لما نذر له حياته التخصص فى نشدان الحقيقة بممارسة أقصى حالات التبتل وفق الايمان الذى هداه اليه ربه, ورسوله والاسلام سمّوه ان شئتم تصوّفا ولكنه تصوّف رجل توفّر له فطنة المؤمن, وقدرة الفيلسوف وتجربة المحارب, وفقه الصحابي, ما جعل تصوّفه حقيقيا وحركة حيّة فى بناء الروح, لا مجرّد ظلال صالحة لهذا البناء أجل ذلك هو أبو الدرداء, صاحب رسول الله وتلميذه وذلكم هو أبو الدرداء, الحكيم القدّيس ورجل دفع الدنيا بكلتا راحتيه, وزادها بصدره رجل عكف على نفسه وصقلها وزكّاها, حتى صارت مرآة صافية انعكس عليها من الحكمة والصواب والخيرما جعل من أبى الدرداء معلماعظيما وحكيما قويما.

سعداء أولئك الذين يقبلون عليه, ويصغون اليه ألا تعالوا نقترب من حكمته يا أولى الألباب ولنبدأ بفلسفته تجاه الدنيا وتجاه مباهجها وزخارفها انه متأثر حتى أعماق روحه بآيات القرآن الرادعة عن ﴿الذى جمع مالا وعدّده يحسب أن ماله اخلده﴾ ومتأثر حتى أعماق روحه بقول الرسول (ما قلّ وكفى, خير مما كثر وألهى) ويقول (تفرّغوا من هموم الدنيا ما استطعتم, فإنه من كانت الدنيا أكبر همّه, فرّق الله شمله, وجعل فقره بين عينيه، ومن كانت الآخرة أكبر همّه جمع شمله, وجعل غناه فى قلبه, وكان الله اليه بكل خير أسرع).

من أجل ذلك, كان يرثى لأولئك الذين وقعوا أسرى طموح الثروة ويقول "اللهم انى أعوذ بك من شتات القلب" سئل: وما شتات القلب يا أبا الدرداء؟ فأجاب "أن يكون لى فى كل واد مال". وهو يدعو الناس الى امتلاك الدنيا والاستغناء عنها فذلك هو الامتلاك الحقيقى لها أما الجرى وراء أطماعها التى لا تؤذن بالانتهاء, فذلك شر ألوان العبودية والرّق. هنالك يقول "من لم يكن غنيا عن الدنيا, فلا دنيا له" والمال عنده وسيلة للعيش القنوع المعتدل ليس غير، ومن ثم فان على الناس أن يأخذوه من حلال, وأن يكسبوه فى رفق واعتدال, لا فى جشع وتهالك. فهو يقول "لا تأكل الا طيّبا ولا تكسب الاطيّبا ولا تدخل بيتك الا طيّبا". ويكتب لصاحب له فيقول "أما بعد, فلست فى شيء من عرض الدنيا, الا وقد كان لغيرك قبلك، وهو صائر لغيرك بعدك، وليس لك منه الا ما قدّمت لنفسك، فآثرها على من تجمع المال له من ولدك ليكون له ارثا, فأنت انما تجمع لواحد من اثنين: اما ولد صالح يعمل فيه بطاعة الله, فيسعد بما شقيت به, واما ولد عاص, يعمل فيه بمعصية الله, فتشقى بما جمعت له، فثق لهم بما عند الله من رزق, وانج بنفسك".

كانت الدنيا كلها فى عين أبى الدرداء مجرّد عارية ,عندما فتحت قبرص وحملت غنائم الحرب الى المدينة رأى الناس أبا الدرداء يبكى واقتربوا دهشين يسألونه, وتولى توجيه السؤال اليه: جبير بن نفير؛ قال له "يا أبا الدرداء, ما يبكيك فى يوم أعز الله فيه الاسلام وأهله؟" فأجاب أبو الدرداء فى حكمة بالغة وفهم عميق "ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله اذا هم تركوا أمره, بينما هى أمة, ظاهرة, قاهرة, لها الملك, تركت أمر الله, فصارت الى ما ترى". أجل؛ وبهذا كان يعلل الانهيار السريع الذى تلحقه جيوش الاسلام بالبلاد المفتوحة, افلاس تلك البلاد من روحانية صادقة تعصمها ودين صحيح يصلها بالله,ومن هنا أيضا, كان يخشى على المسلمين أياما تنحلّ فيها عرى الايمان, وتضعف روابطهم بالله, وبالحق, وبالصلاح, فتنتقل العارية من أيديهم, بنفس السـهولة التى انتقلت بها من قبل اليهم.

وكما كانت الدنيا بأسرها مجرّد عارية فى يقينه, كذلك كانت جسرا الى حياة أبقى وأروع، دخل عليه أصحابه يعودونه وهو مريض, فوجدوه نائما على فراش من جلد فقالوا له "لو شئت كان لك فراش أطيب وأنعم". فأجابهم وهو يشير بسبّابته, وبريق عينيه صوب الأمام البعيد "ان دارنا هناك لها نجمع واليها نرجع نظعن اليها، ونعمل لها". وهذه النظرة الى الدنيا ليست عند أبى الدرداء وجهة نظر فحسب بل ومنهج حياة، كذلك خطب يزيد بن معاوية ابنته الدرداء فردّه, ولم يقبل خطبته, ثم خطبها واحد من فقراء المسـلمين وصالحيهم, فزوّجها أبو الدرداء منه. وعجب الناس لهذا التصرّف, فعلّمهم أبو الدرداء قائلا "ما ظنّكم بالدرداء, اذا قام على رأسها الخدم والخصيا وبهرها زخرف القصور أين دينها منها يومئذ؟" هذا حكيم قويم النفس, ذكى الفؤاد وهو يرفض من الدنيا ومن متاعها كل ما يشدّ النفس اليها, ويولّه القلب بها وهو بهذا لا يهرب من السعادة بل اليها فالسعادة الحقة عتده هى أن تمتلك الدنيا, لا أن تمتلكك أنت الدنيا، وكلما وقفت مطالب الناس فى الحياة عند حدود القناعة والاعتدال وكلما أدركوا حقيقة الدنيا كجسر يعبرون عليه الى دار القرار والمآل والخلود, كلما صنعوا هذا, كان نصيبهم من السعادة الحقة أوفى وأعظم وانه ليقول "ليس الخير أن يكثر مالك وولدك, ولكن الخير أن يعظم حلمك, ويكثر علمك, وأن تبارى الناس فى عبادة الله تعالى". وفى خلافة عثمان , وكان معاوية أميرا على الشام نزل أبو الدرداء على رغبة الخليفة فى أن يلى القضاء، وهناك فى الشام وقف بالمرصاد لجميع الذين أغرتهم مباهج الدنيا، وراح يذكّر بمنهج الرسول فى حياته, وزهده, وبمنهج الرعيل الأول من الشهداء والصدّيقين، وكانت الشام يومئذ حاضرة تموج بالمباهج والنعيم، وكأن أهلها ضاقوا ذرعا بهذا الذى ينغصّ عليهم بمواعظه متاعهم ودنياهم، فجمعهم أبو الدرداء, وقام فيهم خطيبا "يا أهل الشام أنتم الاخوان فى الدين, والجيران فى الدار, والأنصار على الأعداء، ولكن مالى أراكم لا تستحيون؟ تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون، وترجون ما لا تبلّغون، وقد كانت القرون من قبلكم يجمعون فيوعون، ويؤمّلون فيطيلون، ويبنون فيوثقون، فأصبح جمعهم بورا، وأمالهم غرورا، وبيوتهم قبورا، أولئك قوم عاد, ملؤا ما بين عدن الى عمان أموالا وأولادا"، ثم ارتسمت على شفتيه بسمة عريضة ساخرة, ولوّح بذراعه فى الجمع الذاهل, وصاح فى سخرية لافحة "من يشترى منى تركة آل عاد بدرهمين؟" رجل باهر, رائع, مضيء, حكمته مؤمنة, ومشاعره ورعة, ومنطقه سديد ورشيد.

العبادة عند أبى الدرداء ليست غرورا ولا تأليا. انما هى التماس للخير, وتعرّض لرحمة الله, وضراعة دائمة تذكّر الانسان بضعفه. وبفضل ربه عليه: انه يقول "التمسوا الخير دهركم كله، وتعرّضوا لنفحات رحمة الله, فان لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده ،وسلوا الله أن يستر عوراتكم, ويؤمّن روعاتكم". كان ذلك الحكيم مفتوح العينين دائما على غرور العبادة, يحذّر منه الناس. هذا الغرور الذى يصيب بعض الضعاف فى ايمانهم حين يأخذهم الزهو بعبادتهم, فيتألّون بها على الآخرين ويدلّون، فلنستمع له ما يقول "مثقال ذرّة من برّ صاحب تقوى ويقين أرجح وأفضل من أمثال الجبال من عبادة المغترّين" ويقول أيضا "لا تكلفوا الناس ما لم يكلفوا، ولا تحاسبوهم دون ربهم، عليكم أنفسكم, فان من تتبع ما يرى فى الانس يطل حزنه". انه لا يريد للعابد مهما يعل فى العبادة شـأوه أن يجرّد من نفسه ديّانا تجاه العبد. عليه أن يحمد الله على توفيقه, وأن يعاون بدعائه وبنبل مشاعره ونواياه أولئك الذين لم يدركوا مثل هذا التوفيق. هل تعرفون حكمة أنضر وأبهى من حكمة هذا الحكيم؟ يحدثنا صاحبه أبو قلابة فيقول: مرّ أبو الدرداء يوما على رجل قد أصاب ذنبا, والناس يسبّونه, فنهاهم وقال "أرأيتم لو وجدتموه فى حفرة، ألم تكونوا مخرجيه منها؟" قالوا: بلى. قال "فلا تسبّوه اذن, واحمدوا الله الذى عافاكم"، قالوا: أنبغضه؟ قال "انما أبغضوا عمله, فاذا تركه فهو أخى".

واذا كان هذا أحد وجهى العبادة عند أبى الدرداء, فان وجهها الآخر هو العلم والمعرفة؛ ان أبا الدرداء يقدّس العلم تقديسا بعيدا يقدّسه كحكيم, ويقدّسه كعابد فيقول "لا يكون أحدكم تقيا حتى يكون عالما، ولن يكون بالعلم جميلا, حتى يكون به عاملا". أجل فالعلم عنده فهم سلوك ومعرفة منهج وفكرة حياة، ولأن تقديسه هذا تقديس رجل حكيم, نراه ينادى بأن العالم كالمتعلم كلاهما سواء فى الفضل والمكانة والمثوبة، ويرى أن عظمة الحياة منوطة بعلم الخيّر قبل أى شيء سواه، ها هو ذا يقول "مالى أرى العلماء كم يذهبون, وجهّالكم لا يتعلمون؟ لا إن معلّم الخير والمتعلّم فى الأجر سواء، ولا خير فى سائر الناس بعدهما". ويقول أيضا "الناس ثلاثة: عالم ومتعلم والثالث همج لا خير فيه". وكما رأينا من قبل, لا ينفصل العلم فى حكمة أبى الدرداء عن العمل. يقول "ان أخشى ما أخشاه على نفسى أن يقال لى يوم القيامة على رؤوس الخلائق: يا عويمر, هل علمت؟ فأقول: نعم. فيقال لى: فماذا عملت فيما علمت؟" وكان يجلّ العلماء العاملين ويوقرهم توقيرا كبيرا, بل كان يدعو ربّه ويقول "اللهم انى أعوذ بك أن تلعننى قلوب العلماء". قيل له: وكيف تلعنك قلوبهم؟ قال "تكرهنى". أرأيتم؟ انه يرى فى كراهيّة العالم لعنة لا يطيقها ومن ثمّ فهو يضرع الى ربه أن يعيذه منها.

وتستوصى حكمة أبى الدرداء بالاخاء خيرا, وتبنى علاقة الانسان بالانسان على أساس من واقع الطبيعة الانسانية ذاتها فيقول "معاتبة الأخ خير لك من فقده, ومن لك بأخيك كله؟ أعط أخاك ولِن له، ولا تطع فيه حاسدا, فتكون مثله، غدا يأتيك الموت, فيكفيك فقده، كيف تبكيه بعد الموت, وفى الحياة ما كنت أديت حقه؟" ومراقبة الله فى عباده قاعدة صلبة يبنى عليها أبو الدرداء حقوق الاخاء؛ يقول "انى أبغض أن أظلم أحدا، ولكنى أبغض أكثر وأكثر, أن أظلم من لا يستعين علىَّ الا بالله العلى الكبير". يالعظمة نفسك, واشراق روحك يا أبا الدرداء انه يحذّر الناس من خداع الوهم, حين يظنون أن المستضعفين العزّل أقرب منالا من أيديهم, ومن بأسهم ويذكّرهم أن هؤلاء فى ضعفهم يملكون قوّة ماحقة حين يتوسـون الى الله بعجزهم, ويطرحون بين يديه قضيتهم, وهوانهم على الناس.

هذا هو أبو الدرداء الحكيم هذا هو أبو الدرداء الزاهد العابد, الأوّاب هذا هو أبو الدرداء الذى كان اذا أطرى الناس تقاه, وسألوه الدعاء, أجابهم فى تواضع وثيق قائلا "لا أحسن السباحة وأخاف الغرق". كل هذا, ولا تحسن السباحة يا أبا الدرداء؟ ولكن أى عجب, وأنت تربية الرسول وتلميذ القرآن وابن الاسلام الأوّل وصاحب أبى بكر وعمر, وبقيّة الرجال؟ اللهم بجاه الحبيب المحبوب أكرمنا بسيدنا أبا الدرداء أجمعين واجعلنا نقتفى آثاره الطيبة واحشرنا معهم أجمعين وساداتنا الاكرمين ولجميع اخواننا وأخواتنا أجمعين امين امين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه اجمعين بأحسان دائم الى يوم الدين.

الزهراء ياسين

 

 

 

فى وصف سيدنا على بن أبى طالب

 

من صفات أهل بيت سيدنا رسول الله تطابق ظاهرهم مع باطنهم وتطابق أقوالهم وافعالهم. فقد عاش معهم الصحابه عمراً فتعالى معى نسمع وصف أحدهم لسيدنا على بن أبى طالب

سُئل سيدنا ضرار بن ضمرة أن يصف سيدنا على فقال: أنه والله كان بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلاً ويحكم عدلاً، ويتفجر العلم من جوانبه وينطق من لسانه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، وكان غزير الدمعه طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقربه لنا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبه له، يعظم أهل الدين ويقرب المسكين، لا يطمع القوى فى باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته فى بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه، قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم –الملدوغ- ويبكى بكاء الحزين ويقول "يا دنيا غرى غيرى ءإلى تعرضتى أم إلى تشوقتى؟ هيهات هيهات قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها فعمرك قصير وخطرك كبير وعيشك حقير، آه من قله الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق".

هكذا وصفه من عاش معه وسمع أقواله وشاهد أفعاله ، ولقد وصى سيدنا على سيدنا ومولانا الحسن ، فعن سيدنا الحسن قال: لما حضرت أبى الوفاه أقبل يوصى فقال: هذا ما أوصى به على أبن أبى طالب أخو محمد وابن عمه وصاحبه أول وصيتى أنى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسوله وخيرته اختاره بعلمه وارتضاه لخلقه وإن الله باعث من فى القبور، وسائل الناس عن أعمالهم عالم بما فى الصدور، ثم إنى أوصيك يا حسن وكفى بك وصياً بما أوصانى به رسول الله فإذا كان ذلك فالزم بيتك وابك على خطيئتك ولا تكن الدنيا أكبر همك، وأوصيك يا بنى بالصلاة عند وقتها والزكاة فى أهلها عند محلها، والصمت عند التشبه، والاقتصاد والعدل فى الرضا والغضب، وحسن الجوار وإكرام الضيف ورحمة المجهود وأصحاب البلاء، وصله الرحم وحب المساكين ومجالستهم والتواضع فإنه من أفضل العبادة وذكر الموت والزهد فى الدنيا فإنك رهن الموت وعرض بلاء وطريح سقم. وأوصيك بخشيه الله تعالى فى سرائرك وعلانيتك وأنهاك عن مخالفة الشرع بالقول وإذا عرض لك شيئ من أمر الآخرة فابدأ به وإذا عرض لك شئ من أمر الدنيا فتأنه حتى تصيب رشدك فيه، وإياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء فإن قرين السوء يغير جليسه، وكن يا بنى عاملاً وعن الخنا زجوراً وبالمعروف آمراً وعن المنكر ناهياً، آخ الإخوان فى الله وأحب الصالح لصلاحه ودار الفاسق عن دينك وأبغضه بقلبك وزايله بأعمالك لئلا تكون مثله. وإياك والجلوس فى الطرقات ودع المماراة ومجاراة من لا عقل له واقتصد يا بنى فى معيشتك واقتصد فى عبادتك وعليك فيها بالامر الدائم الذى تطيقه والزم الصمت وبه تسلم وقدم لنفسك تغنم الخير وكن ذاكراً لله تعالى على كل حال، وارحم من أهلك الصغير ووقر الكبير ولا تأكل طعاماً حتى تتصدق منه قبل أكله، وعليك بالصوم فإنه زكاه البدن وجنة لأهله وجاهد نفسك واحذر جليسك واجتنب عدوك، وعليك بمجالس الذكر، وأكثر من الدعاء فإنى لم آلك يا بنى نصحاً، وهذا فراق بينى وبينك، وأوصيك بأخيك محمد خيراً فإنه ابن ابيك وقد تعلم حبى له، وأما اخوك الحسين فهو شقيقك وابن أمك وابيك والله الخليفه عليكم وإياه أسأل أن يصلحكم وأن يكف الطغاة البغاة عنكم، والصبر الصبر حتى يقضى الله هذا الامر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، ثم قال يا حسن أبصروا ضاربى وأطعموه من طعامى واسقوه من شرابى فإن عشت فأنا أولى بحقى وإن مت فاضربوه ضربة ولا تمثلو به فإنى سمعت رسول الله يقول (اياكم والمثلة ولو بالكلب العقور) يا حسن إن أنا مت لا تغل فى كفنى فإنى سمعت رسول الله يقول (لا تغلوا فى الأكفان) وامشوا بين المشيتين فإن كان خيراً أعجلتمونى إليه وإن كان شراً ألقيتمونى عن أكتافكم، يا بنى عبد المطلب لا آلفنكم تريقون دماء المسلمين بعدى تقولون: قتلتم أمير المؤمنين. ألا لا يقتل بى إلا قاتلى. ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض .

التلميذ

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصحابة فى موقع الأحباب

أسرة التحرير