من بركاته

 

إعلم وفقنى الله وإياك الى محبته ان بركات الرسول الكريم ملأت الكون عاليه ودانيه ونال منها من تقرب إليه بمحبته وطاعته وخدمته فظهرت بركات النبى على الارض التى تطهرت بمولده الشريف وقد قال عن ذلك (جعلت لى الارض مسجدا وطهورا) وسمت روحه الشريفه فوق السما قال الله تعالى ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى • فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ النجم 8-9، وقد أمتدت نفحاته وبركاته إلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وأحبابه والوارثين إمتداد الاشعة من السراج المنير اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أخرج أبو نعيم فى الحلية والبيهقى فى شعب الإيمان وابن عساكر عن أنس "أن رسول الله قال (اطلبوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله تعالى فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوه أن يستر عوراتكم ويؤمن من روعاتكم).

وأخرج السيوطى عن ابن عمر عن النبى انه قال (تعرضوا لله فى أيامكم فإن لله نفحات عسى أن تصيبكم منها واحدة لا تشقون بعدها أبدا).

وأخرج الطبرانى فى الاوسط عن محمد بن مسلمة قال قال رسول الله (إن لربكم عز وجل فى أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها لعل أحدكم أن تصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدا).

ومن أعظم هذه البركات والنفحات ذكرى مولده الشريف الذى أرسله الله رحمة للعالمين وهى الرحمة التى تحيا بها القلوب وتهيج الأرواح طاعة وقربة وشوقا إليه وفى المعنى قال الامام فخر الدين فى نظمه الفريد:

وإلى رسول الله شد رحالنا     نهفو إليه وفى الصدور حنين

فمن بعض النفحات بركاته على أهل مكة وقت مولده الشريف؛ أن الله نصرهم على عدوهم من غير قتال  يوم الفيل كما روى سعيد ابن جبير عن سيدنا عبد الله بن عباس قال ولد رسول الله يوم الفيل، وعن قيس بن مخرمة قال ولدت أنا ورسول الله يوم الفيل فنحن لدان، ولما كان يوم الفيل أمرعبد المطلب جد الرسول الاعظم قومه بالخروج من مكة والتحصن فى رؤوس الجبال تخوفا عليهم من معرة جيش أبرهة ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه نفرا من قريش يدعون الله ويستنصرون على أبرهة وجنده فقال عبد المطلب:

اللهم أن المرء يمنع رحله - فامنع رحالك لايغلبن صليبهم - ومحالهم أبدا محالك

ثم أرسل عبدالمطلب حلقة الباب ثم خرجوا الى الجبال وذكر عن ابن سليمان انهم تركوا عند البيت الحرام مائة بدنة مقلدة لعل بعض الجيش ينال منها شيئا بغير حق فينتقم الله منهم.

 وقال ابن كثير انه ولد فى هذا العام ولسان حال القدرة يقول لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيرتكم عليهم ولكن صيانة للبيت العتيق الذى سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبى الامى سيدنا محمد خاتم الانبياء والمرسلين.

وعن سهل لما أراد الله تعالى خلق محمد فى بطن أمه أمر رضوان حارس الجنة أن يفتح أبواب الفردوس وأمر مناديا ينادى فى السموات والأرضين ألا وإن النور المكنون والمخزون فى هذه الليلة قد استقر فى بطن آمنة.

وقالت السيدة آمنة ما شعرت أنى حملت بولدى محمد لأنى ما وجدت له وحما ولا ثقلا كما تجد الحوامل ولكنى أنكرت انقطاع حيضى ولقد رأيت وأنا حاملة به نورا أضاء له المشرق والمغرب حتى رأيت قصور بصرى من أرض الشام.

وقالت السيدة آمنة فلما كانت ليلة الولادة أى وهى ليلة الإثنين مع طلوع الفجر وقيل ليلة الجمعة رأيت جماعة قد نزلوا من السماء ومعهم ثلاثة أعلام بيض فوضعوا علما على ظهر الكعبة وعلما على سطح دارى وعلما على بيت المقدس ودنت منى النجوم حتى أنى أقول أيقعن على. وامتلأت الأرض نورا وفتحت أبواب السماء ثم عكف على منزلى طيور كثيرة مناقيرها من الزمرد وأجنحتها من الياقوت ورأيت الديباج قد بسط بين السماء والأرض.

وقالت السيدة آمنة ورأيت رجالا فى الهواء بأيديهم أباريق الفضة بسلاسل الذهب وكنت عطشى فشربت من أحدها فبينما أنا أفكر فى أمرى وقد ضاق من الوحدة صدرى إذ دخل على جماعة من النساء لم أر أحسن منهن معهن آسية إمرأة فرعون وكانت هى القابلة.

وقالت السيدة آمنة ثم اشتد بى الطلق فرأيت طيرا عظيم الحلقة حسن الهيئة فمسح بجناحه على بطنى فوضعت ولدى محمدا مستقيما أى خرج بأقدامه الكريمة ولم يخرج منكوسا إشارة إلى أنه لم يزل قائما فى حدود الله ثم تكلم بكلام فصيح وقال الله أكبر الله أكبر الحمد لله رب العالمين.

ويحكى لنا جده المعظم الشأن عبدالمطلب بن عبد مناف فيقول كنت تلك الليلة أطوف بالكعبة فتمايلت الكعبة وخرت ساجدة نحو المقام وتساقطت الأصنام وقالت الله أكبر الله أكبر ولد محمد الأزهر الآن طهرنى ربى من أنجاس المشركين. وسمعت قائلا يقول ألا وإن آمنة قد ولدت محمداً وأنسكبت عليها سحائب الرحمة فأتيت منزل آمنة فرأيت سحابة قد أظلت حجرتها فجعلت أمسح عينى وأقول أنا نائم أم يقظان. فناديت يا آمنة إفتحى الباب ففتحته فإذا المسك يفوح من حجرتها فقلت لها ما الخبر فقالت ولد محمد قال دعينى أنظر إليه قالت إنه فى البيت، فلما أردت الدخول إليه خرج رجل معه سيف وقال مهلا حتى تنقضى عنه زيارة الملائكة.

ولما حان وقت سعد مرضعته ونيل بركته قالت السيدة حليمة لما خرجت به من مكه وركبت اتانى وحملته عليها معى فوالله لقطعت بالركب ما يقدر على شئ من حمرهم. حتى ان صواحبى ليقلن لى يا بنت ابى ذؤيب ويحك اربعى -اى اقتصرى وارفقى- علينا ألست هذه أتانك التى كنت خرجت عليها فأقول لهن بلى والله انها لهى فيقلن والله ان لها لشأنا.

وقالت السيدة حليمة ثم قدمنا منازلنا من بنى سعد ولا اعلم ارضا من ارض الله اجدب منها فكانت غنمى تروح على حين قدمنا به معنا، شباعا لبنا فنحلب ونشرب وما يحلب انسان قطرة لبن ولا يجدها فى ضرع، حتى كان الحاضر من قومنا يقولون لرعيانهم ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعى بنت ابى ذؤيب، فتروح اغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمى شباعا لبنا فلم يزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته.

ومن بركاته على أهل مكه بعد رجوعه من إرضاعه فى بنى سعد تروى لنا السيدة رقيقة بنت صيفى بن هاشم بن عبد مناف فتقول: تتابعت على قريش سنون ذهبن بالاموال وأشفين على الانفس. قالت: فسمعت قائلا يقول فى المنام يا معشر قريش ان هذا النبى المبعوث منكم وهذا ابان خروجه وبه يأتيكم بالحيا والخصب فانظروا رجلا من اوسطكم نسبا طوالا عظاما ابيض مقرون الحاجبين اهدب الاشفار جعدا سهل الخدين رقيق العرنين فليخرج هو وجميع ولده وليخرج منكم من كل بطن رجل فتطهروا وتطيبوا ثم استلموا الركن ثم ارقوا إلى رأس ابى قبيس ثم يتقدم هذا الرجل فيستسقى وتؤمنون فانكم ستسقون. فأصبحت فقصت رؤياها عليهم فنظروا فوجدوا هذه الصفة صفة عبد المطلب جد الرسول الكريم ، فاجتمعوا اليه وخرج من كل بطن منهم رجل ففعلوا ما امرتهم به ثم علوا على جبل ابى قبيس ومعهم النبى وهو غلام فتقدم عبد المطلب وقال اللهم هؤلاء عبيدك وبنو عبيدك واماؤك وبنات امائك وقد نزل بنا ما ترى وتتابعت علينا هذه السنون فذهبت بالظلف والخف واشفت على الانفس فأذهب عنا الجدب وائتنا بالحيا والخصب فما برحوا حتى سالت الاودية وبرسول سقوا فقالت رقيقة بنت ابى صيفى بن هاشم بن عبد مناف:

بشيبة الحمد اسقى الله بلدتنا       وقد فقدنا الحيا واجلوذ المطر

فجاد بالماء جونى له سبل         دان فعاشت به الانعام والشجر

منا من الله بالميمون طائره           وخير من بشرت يوما به مضر

مبارك الامر يستسقى الغمام به      ما فى الانام له عدل ولا خطر

ومن بركاته ايضا كما أخرج ابن عساكر ان قريشا قالت لأبى طالب عم رسول الله وقد اقحطوا يا أبا طالب أقحط الوادى وأجدب العيال فخرج أبو طالب معه غلام يعنى النبى كانه شمس دجن تجلت عنه سحابة وحوله أغيلمة فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ولاذ الغلام وما فى السماء قزعة وأقبل السحاب من ها هنا وها هنا وأغدق واغدودق وانفجر له الوادى وأخصب النادى والبادى وفى هذا يقول أبو طالب:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه      ثمال اليتامى عصمة للارامل

ومن بركاته كان أبناء عمه ابى طالب اذا اكلوا جميعا وفرادى لم يشبعوا واذا اكل معهم رسول الله شبعوا فكان ابوطالب اذا اراد ان يغديهم او يعشيهم يقول كما انتم حتى يأتى ابنى فيأتى رسول الله فيأكل معهم فيفضلون من طعامهم وان كان لبنا شرب رسول الله اولهم ثم تناول القعب فيشربون منه فيروون من عند آخرهم من القعب الواحد.

ومن بركاته على سبيل التبرك لنا لا الحصر أنه أعطى الصحابى الجليل قتادة بن النعمان وصلى معه العشاء الأخيرة فى ليلة مظلمة مطيرة عرجونا -على شكل هلال- فقال (انطلق فإنه سيضىء لك من بين يديك عشرا ومن خلفك عشرا، فإذا دخلت بيتك فسترى سوادا فاضربه حتى يخرج فإنه الشيطان) فانطلق فأضاء له العرجون حتى دخل بيته ووجد السواد فضربه حتى خرج.

ومن بركاته ايضا قال الصحابى الجليل حنش بن عقيل قال سقانى رسول الله شربة من سويق –من الحنطة والشعير- شرب أولها وشربت آخرها فما زلت أجد شبعها إذا جعت وريها إذا عطشت وبردها إذا ظمئت.

ومن بركاته ايضا أن الصحابى الجليل عتبة بن فرقد كان يوجد له طيب يغلب طيب نسائه لأن رسول الله مسح بيده بطنه ويده.

ومسح على رأس الصحابى الجليل قيس بن زيد الجذامى ودعا له فهلك ابن مائة سنة ورأسه أبيض وموضع كف النبى أسود فكان يدعى الأغر.

ومسح وجه الصحابى الجليل قتادة بن ملجان فكان لوجهه بريق حتى كان ينظر فى وجهه كما ينظر فى المرآة.

ووضع يده على رأس الصحابى الجليل حنظلة بن خديم وبارك عليه فكان حنظلة يؤتى بالرجل قد ورم وجهه والشاة قد ورم ضرعها فيوضع على موضع كف النبى فيذهب الورم ببركة موضع يد المصطفى .

ونضح فى وجه زينب بنت أم سلمة نضحة من ماء فما كان يعرف فى وجه امرأة من الجمال ما كان بها.

وقال طاووس رحمه الله تعالى لم يؤت النبى بأحد به جنون فصك فى صدره إلا ذهب ذلك الجنون.

وفى يوم حنين وذلك أنه لما اشتد القتال بينه وبين الكفار ذلك اليوم أخذ  غرفة من تراب ورمى بها وجوه الكفار وقال شاهت الوجوه فما بقى منهم أحد إلا أصاب من عينيه من ذلك التراب فهزمهم الله ورجعوا على أعقابهم يمسحون عن أعينهم.

وعن أبى هريرة أنه كان كثير النسيان فأمره ببسط ثوبه فغرف بيده ثم أمره بضمه ففعل فما نسى شيئا بعد.

وكانت شعيرات من شعر رسول الله فى قلنسوة خالد بن الوليد فلم يشهد بها قتالا إلا رزق النصر.

 وكانت جبة رسول الله تغسل للمرضى بعد موته فيستشفى بها.

وسكب من فضل وضوئه فى بئر قباء فما جف ماؤها بعد.

وبزق فى بئر كانت فى دار الصحابى الجليل أنس بن مالك فلم يكن بالمدينة أعذب منها.

ومر على ماء فسأل عنه فقيل اسمه بيسان وماؤه ملح فقال بل هو نعمان وماؤه طيب فطاب من وقتها.

وأوتى  بدلو من ماء زمزم فمج فيه فصارت أطيب من المسك.

وأعطى سيدنا الحسن وسيدنا الحسين لسانه فمصاه وكانا يبكيان عطشا فرويا وسكتا.

فبركات الرسول الاعظم بحر لا ساحل له نفعنا الله بها وبمن حلت عليهم وفيهم انتم ونحن وسائر المحبين اللهم آمين بحرمته وأله والتابعين وعن المعنى يقول الامام فخر الدين:

وكل نور لنا من نوره قبس     وانها نفخة من فيه ما فينا

وصلى الله على مولانا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ابراهيم جعفر

 
 

ومن أراد الاستزادة فليطلع على موقع النبى

أسرة التحرير