كان .. ما .. كان

سيدنا يوسف 5

 

يقول تعالى مخبرا عنهم لما استيأسوا من أخذ أخاه منه: خلصوا يتناجون فيما بينهم قال كبيرهم وهو روبيل ﴿أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللهِ﴾ يوسف 12: 80، لتأتننى به إلا أن يحاط بكم؟ لقد أخلفتم عهده وفرطتم فيه كما فرطتم فى أخيه يوسف من قبله فلم يبق لى وجه أقابله به ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ﴾ أى لا أزال مقيما هاهنا ﴿حَتَّى يَأْذَنَ لِى أَبِى﴾ فى القدوم عليه ﴿أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِى﴾ بأن يقدرنى على رد أخى إلى أبى ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾، ﴿ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ﴾ يوسف 12: 81، أى أخبروه بما رأيتم من الأمر فى ظاهر المشاهدة ﴿وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ • وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا﴾ يوسف 12: 82، أى فإن هذا الذى أخبرناك به - من أخذهم أخانا لأنه سرق - أمر اشتهر بمصر وعلمه العير التى كنا نحن وهم هناك ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾. ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ يوسف 12: 83، أى ليس الأمر كما ذكرتم لم يسرق فإنه ليس سجية له ولا خلقة وإنما ﴿سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾.  قال ابن إسحاق وغيره: لما كان التفريط منهم فى بنيامين مترتبا على صنيعهم فى يوسف قال لهم ما قال وهذا كما قال بعض السلف: إن من جزاء السيئة السيئة بعدها!

 ثم قال ﴿عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا﴾ يعنى يوسف وبنيامين وروبيل ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ﴾ أى بحالى وما أنا فيه من فراق الأحبة ﴿الْحَكِيمُ﴾ فيما يقدره ويفعله وله الحكمة البالغة والحجة القاطعة، ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ يوسف 12: 84، أى أعرض عن بنيه ﴿وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾ ذكره حزنه الجديد بالحزن القديم وحرك ما كان كامنا كما قال بعضهم:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى    ما الحب إلا للحبيب الأول

وقوله ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ﴾ أى من كثرة البكاء ﴿فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ أى مكظم من كثرة حزنه وأسفه وشوقه إلى يوسف، فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وألم الفراق ﴿قَالُوا يوسف 12: 85، له على وجه الرحمة والرأفة والحرص عليه ﴿ تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِين﴾.

يقولون: لا تزال تتذكره حتى ينحل جسدك وتضعف قوتك فلو رفقت بنفسك كان أولى بك، ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ يوسف 12: 86، يقول لبنيه: لست أشكو إليكم ولا إلى أحد من الناس ما أنا فيه إنما أشكوه إلى الله عز وجل وأعلم أن الله سيجعل لى مما أنا فيه فرجا ومخرجا وأعلم أن رؤيا يوسف لا بد أن تقع ولا بد أن أسجد له أنا وأنتم حسب ما رأى ولهذا قال ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾، ثم قال لهم محرضا على تطلب يوسف وأخيه وأن يبحثوا عن أمرهما ﴿يَا بَنِىَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ يوسف 12: 87، أى لا تيأسوا من الفرج بعد الشدة فإنه لا ييأس من روح الله وفرجه وما يقدره من المخرج فى المضايق إلا القوم الكافرون.

ويخبر تعالى عن رجوع إخوة يوسف إليه وقدومهم عليه ورغبتهم فيها لديه من الميرة والصدقة عليهم برد أخيهم بنيامين إليهم ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ﴾ أى من الجدب وضيق الحال وكثرة العيال ﴿وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ﴾ أى ضعيفة لا يقبل مثلها منا إلا أن تتجاوز عنا قيل كانت دراهم رديئة وقيل قليلة وقيل حب الصنوبر وحب البطم ونحو ذلك وعن ابن عباس: كانت خلق الغرائر والحبال ونحو ذلك، ﴿فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ يوسف 12: 88، قيل: بقولها. قاله السدى، وقيل: برد أخينا إلينا. قاله ابن جريج وقال سفيان بن عيينة: إنما حرمت الصدقة على نبينا محمد ونزع بهذه الآية رواه ابن جرير.

فلما رأى ما هم فيه من الحال وما جاءوا به مما لم يبق عندهم سواه من ضعيف المال تعرف إليهم وعطف عليهم قائلا لهم عن أمر ربه وربهم وقد حسر عن جبينه الشريف وما يحويه من الحال الذى يعرفون فيه ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ يوسف 12: 89، ﴿قَالُوا يوسف 12: 90، وتعجبوا كل العجب وقد ترددوا إليه مرارا عديدة وهم لا يعرفون أنه هو ﴿أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ﴾؟ ﴿قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِى﴾ يعنى أنا يوسف الذى صنعتم معه ما صنعتم وسلف من أمركم فيه ما فرطتم وقوله ﴿وَهَذَا أَخِى﴾ تأكيد لما قال وتنبيه على ما كانوا أضمروا لهما من الحسد وعملوا فى أمرهما من الإحتيال ولهذا قال ﴿قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا﴾ أى بإحسانه إلينا وصدقته علينا وإيوائه لنا وشده معاقد عزنا وذلك بما أسلفنا من طاعة ربنا وصبرنا على ما كان منكم وطاعتنا وبرنا لأبينا ومحبته الشديدة لنا وشفقته علينا ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

﴿قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ يوسف 12: 91، أى فضلك وأعطاك ما لم يعطنا ﴿وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ أى فيما أسدينا إليك وها نحن بين يديك ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يوسف 12: 92، أى لست أعاتبكم على ما كان منكم بعد يومكم هذا ثم زادهم على ذلك فقال ﴿يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. ثم أمرهم بأن يذهبوا بقميصه وهو الذى يلى جسده فيضعوه على عينى أبيه فإنه يرجع إليه بصره بعد ما كان ذهب بإذن الله وهذا من خوارق العادات ودلائل النبوات وأكبر المعجزات، ثم أمرهم أن يتحملوا بأهلهم أجمعين إلى ديار مصر إلى الخير والدعة وجمع الشمل بعد الفرقة على أكمل الوجوه وأعلى الأمور.

قال عبد الرزاق: عن ابن عباس قال: ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ يوسف 12: 94، قال: لما خرجت العير هاجت ريح فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف فقال ﴿قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّى لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ﴾ قال: فوجد ريحه من مسيرة ثلاثة أيام وكذا رواه الثورى وشعبة وغيرهم عن أبى سنان به. وقال الحسن البصرى وابن جريج المكى: كان بينهما مسيرة ثمانين فرسخا وكان له منذ فارقه ثمانون سنة، وقوله ﴿لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ﴾ أى تقولون إنما قلت هذا من الفند وهو الخرف وكبر السن، قال ابن عباس وغيره ﴿تُفَنِّدُونِ﴾ تسفهون وقال مجاهد أيضا والحسن: تهرمون. ﴿قَالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِى ضَلَالِكَ الْقَدِيم يوسف 12: 95، قال قتادة والسدى: قالوا له كلمة غليظة.

قال الله تعالى ﴿فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا يوسف 12: 96، أى بمجرد ما جاء ألقى القميص على وجه يعقوب فرجع من فوره بصيرا بعد ما كان ضريرا وقال لبنيه عند ذلك ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّى أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ أى أعلم أن الله سيجمع شملى بيوسف وسيقر عينى به وسيرينى فيه ومنه ما يسرنى.

فمنذ ذلك ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ يوسف 12: 97، طلبوا منه أن يستغفر لهم لله عما كانوا فعلوا ونالوا منه ومن ابنه وما كانوا عزموا عليه ولما كان من نيتهم التوبة قبل الفعل وفقهم الله للاستغفار عند وقوع ذلك منهم فأجابهم أبوهم إلى ما سألوا وما عليه عولوا قائلا ﴿قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّى إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ يوسف 12: 98، قال ابن مسعود وغيره: أرجأهم إلى وقت السحر. وقال ابن جرير: كان عمر يأتى المسجد فسمع إنسانا يقول "اللهم دعوتنى فأجبت وأمرتنى فأطعت وهذا السحر فاغفر لى" قال: فاستمع إلى الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود فسأل عبد الله عن ذلك فقال: إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر بقوله ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّى﴾. وقد ورد فى حديث (أن يعقوب أرجأ بنيه إلى ليلة الجمعة). وعن ابن عباس عن رسول الله ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّى﴾ يقول (حتى ليلة الجمعة وهو قول أخى يعقوب لبنيه).

وهكذا اجتمع المتحابين بعد الفرقة الطويلة التى قيل إنها ثمانون سنة! وكان جملة من قدم مع يعقوب من بنيه وأولادهم ثلاثة وستين إنسانا. ويقال أن يعقوب لما وصل إلى أرض جاشر -وهى أرض بلبيس- خرج يوسف لتلقيه وكان يعقوب قد بعث ابنه يهوذا بين يديه مبشرا بقدومه وأن الملك أطلق لهم أرض جاشر يكونون فيها ويقيمون بها بنعمهم ومواشيهم وقد ذكر جماعة من المفسرين أنه لما أزف قدوم نبى الله يعقوب -وهو إسرائيل- أراد يوسف أن يخرج لتلقيه فركب معه الملك وجنوده خدمة ليوسف وتعظيما لنبى الله "إسرائيل" وأنه دعا للملك وأن الله رفع عن أهل مصر بقية سنى الجدب ببركة قدومه إليهم.

قال الله تعالى ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ يوسف 12: 100، قيل: كانت أمه قد ماتت كما هو عند علماء التوراة وقال بعض المفسرين: أحياها الله تعالى وقال آخرون: بل كانت خالته "ليا" والخالة بمنزلة الأم، وقال ابن جرير وآخرون: بل ظاهر القرآن يقتضى بقاء حياة أمه إلى يومئذ فلا يعول على نقل أهل الكتاب فيما خالفه، ورفعهما على العرش أى أجلسهما معه على سريره ﴿وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ أى سجد له الأبوان والإخوة الأحد عشر تعظيما وتكريما وكان هذا مشروعا لهم ولم يزل ذلك معمولا به فى سائر الشرائع حتى حرم فى ملتنا، ﴿وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ﴾ أى هذا تعبير ماكنت قصصته عليك: من رؤيتى الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر حين رأيتهم لى ساجدين وأمرتنى بكتمانها ووعدتنى ما وعدتنى عند ذلك ﴿قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السِّجْنِ﴾ أى بعد الهم والضيق جعلنى حاكما نافذ الكلمة فى الديار المصرية حيث شئت ﴿وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ﴾ أى البادية وكانوا يسكنون أرض العربات من بلاد الخيل ﴿مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى﴾ أى فيما كان منهم من الأمر الذى تقدم، ثم قال ﴿إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ﴾ أى إذا أراد شيئا هيأ أسبابه ويسرها وسهلها وجوه لا يهتدى إليها العباد بل يقدرها ويسرها بلطيف صنعه وعظيم قدرته أى بجميع ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ﴾ بالأمور ﴿الْحَكِيمُ﴾ فى خلقه وشرعه وقدره.

وكان يوسف لما باع أهل مصر وغيرهم من الطعام الذى كان تحت يده بأموالهم كلها من الذهب والفضة والعقار والأثاث وما يملكونه كله حتى باعهم بأنفسهم فصاروا أرقاء ثم أطلق لهم أرضهم وأعتق رقابهم على أن يعملوا ويكون خمس ما يستغلون من زروعهم وثمارهم للملك فصارت سنة أهل مصر بعده.

وحكى الثعليب: أن يوسف كان لا يشبع فى تلك السنين حتى لا ينسى الجيعان وأنه إنما كان يأكل أكلة واحدة نصف النهار قال: فمن ثم اقتدى به الملوك فى ذلك قلت: وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لايشبع بطنه عام الرمادة حتى ذهب الجدب وأتى الخصب.

ثم لما رأى يوسف نعمته قد تمت وشمله قد اجتمع وعرف أن هذه الدار لا يقر بها قرار وأن كل شيء فيها ومن عليها فان وما بعد التمام إلا النقصان فعند ذلك أثنى على ربه بما هو أهله واعترف له بعظيم إحسانه وفضله وسأل منه - وهو خير المسئولين - أن يتوفاه أى حين يتوفاه على الإسلام وأن يلحقه بعباده الصالحين، كما روى عن ابن عباس أنه قال: ما تمنى نبى قط الموت قبل يوسف وذلك قوله ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّى فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ يوسف 12: 101.

 وقد ذكر ابن إسحاق: أن يعقوب أقام بديار مصر عند يوسف سبع عشرة سنة ثم توفى وكان قد أوصى إلى يوسف أن يدفن عند أبويه إبراهيم وإسحاق قال السدى: فصبره وسيره إلى بلاد الشام فدفنه بالمغارة عند أبيه إسحاق وجده الخليل. وقد قال تعالى فى كتابه العزيز ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ البقرة 2: 132. يوصى بنيه بالإخلاص وهو دين الإسلام الذى بعث الله به الأنبياء عليهم السلام.

وذكروا: أنه لما مات يعقوب بكى عليه أهل مصر سبعين يوما وأمر يوسف الأطباء فطيبوه بطيب ومكث فيه أربعين يوما ثم استأذن يوسف ملك مصر فى الخروج مع أبيه ليدفنه عند أهله فأذن له وخرج معه أكابر مصر وشيوخها فلما وصلوا حبرون ودفنوه فى المغارة التى كان اشتراها إبراهيم الخليل من عفرون بن صخر الحيثى وعملوا له عزاء سبعة أيام، ثم رجعوا إلى بلادهم وعزى إخوة يوسف يوسف فى أبيهم وترققوا له فأكرمهم وأحسن منقلبهم فأقاموا ببلاد مصر.

ثم حضرت يوسف الوفاة فأوصى أن يحمل معهم إذا خرجوا من مصر فيدفن عند آبائه فحنطوه ووضعوه فى تابوت فكان بمصر حتى أخرجه معه موسى فدفنه عند آبائه، وهناك اختلاف فى مكان دفنه وفى خروجه من مصر أصلا. وعلى هذا فقد مات وهو ابن مائة سنة وعشر سنين.

أحمد نور الدين عباس