السيدة: زينب بنت رسول الله

الوفية الصابرة

ميلادها

هى كبرى بنات رسول الله المهاجرة العظيمة زينب بنت محمد
أمها خديجة خير النساء صاحبة الفضل العظيم والمقام الرفيع ولدت وعمر سيد الخلق ثلاثون عاما وترعرعت السيدة زينب فى كنف والدها حتى شبّت على مكارم الأخلاق والآداب والخصال فكانت تلك الفتاة البالغة الطاهرة.

زواجها

وعندما ذهب أبو العاص إلى رسول الله ليخطب ابنته، قال عنه الرسول (إنه نعم الصهر الكفء) هذا يعنى أن سيدنا محمدا لم يجد به عيبا،ً وطلب من الخاطب الانتظار، حتى يرى رأى ابنته فى ذلك ولم يشأ الموافقة على أبى العاص قبل موافقة ابنته زينب عليه. وهذا موقف من المواقف التى دلت على حرص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على المشاورة ورغبته فى معرفة رأى ابنته فى هذا الموقف. وما كان من زينب إلا أن تسكت إعلاناً منها قبول ابن خالتها أبا العاص.

تزوجت زينب من ابن خالتها ابو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن قصى وامه هالة بنت خويلد أخت السيدة خديجة الطاهرة زوج سيدنا محمد وأم زينب .

و كان ابو العاص بن الربيع كريم الخصال حتى لقبه قومه بالامين كما لقبوا رسول الله وعاشت زينب حياة سعيدة فى كنف زوجها وكانت خير الزوجة الصالحة الكريمة لأبى العاص، وكان هو خير الزوج الفاضل الذى أحاطها بالحب والأمان. وشاء الله تعالى أن يكون ثمرة هذا الزواج السعيد طفلين أنجبتهما السيدة زينب . الأول على بن أبى العاص الذى توفى صبيا وكان رسول الله قد أردفه وراءه يوم الفتح، والثانية أمامة بنت أبى العاص التى تزوجها على بن أبى طالب بعد وفاة السيدة فاطمة الزهراء .

كان أبو العاص يعمل بالتجارة فيضطر فى بعض الأحيان للسفر إلى بلاد الشام تاركاً زوجته عند أمه هالة بنت خويلد. ومن شدة حب أبى العاص لزوجته كان يقول فيها فى سفره وبعيدا عنها:

ذكرت زينب لما ورّكــــت أرما     فقلت سقيا لشخصٍ يسكن الحرما
بنت الأمين جزاها الله صــــالحاً         وكلٌ بَعــلٍ سيثنى بالذى عـلِما

اسلامها

ما ان علمت زينب ببعثة رسول الله بعدما جاءه الوحى فى غار حراء حتى لبثت فى مكانها صامته غارقة فى افكارها فايقظها صوت اختها فاطمة تقول: اوما يسرك انك بنت نبى هذه الامة؟ فأجابت زينب : أجل والله يا فاطمة وأى فتاة لا يزيدها ذلك الشرف الذى ما بعده شرف؟ لكنه الذى سمعت من قول خالى ورقة: ليكذبن أبى وليؤذين وليخرجن وليقاتلن. ففكرت فاطمة مليا وقد عز عليها ان يؤذى ابوها ثم رفعت وجهها و قالت لاختها: هو والله ما قالت أمى لابى: الله يرعانا يا ابا القاسم أبشر يا بن العم واثبت والله ما يخزيك الله ابدا، انك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتؤدى الامانة وتحمل الكل وتقرى الضيف وتعين على نوائب الدهر.

وقد كان زوجها فى سفر عندما اسلمت ولم يعلم بأمر رسول الله فلما عاد وعلم الخبر سألها فصدقته، وابى ان يدخل فى الاسلام وقال: ان اباك ليس عندى بمتهم وما يسؤونى ان اكون واياك فى شعب واحد لكننى اكره ان يقال: ان زوجك خذل قومه وكفر بدين آبائه ارضاء لامرأته.
نجد أن السيدة زينب على الرغم من عدم إسلام زوجها فقد بقيت معه تدعوه إلى الإسلام، وتقنعه بأن ما جاء به الرسول هو من عند الله وليس هناك أحق من هذا الدين لاعتناقه. ومن ذلك نجد أيضاً أن أبا العاص لم يجبر زوجته على تكذيب والدها أو الرجوع إلى دين آبائهِ وعبادة الأصنام وحتى وإن أجبرها فلم تكن هى، لتكذب أباها إرضاء لزوجها، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق.

زينب فى مكة

واشتد ايذاء الكفار للمسلمين وحاصروا المسلمين فى شعب ابى طالب ثم توفى ابو طالب ثم توفيت أم المؤمنين خديجة ثم هاجر رسول الله الى المدينة وهاجرت معه بناته الا زينب فبقيت فى مكة وحيدة حزينة على بعد الاهل وعلى زوجها الذى يفوته شرف عظيم باصراره على الكفر، ومضت الايام واجتمع سادة قريش وخرجوا لقتال رسول الله ومعهم زوجها، ولعل هذا كان أصعب موقف واجهته، ومكثت منطوية على نفسها تجتر مخاوفها الى ان عرفت النبأ العظيم: لقد انتصر المسلمون رغم قلة عددهم، وفرحت زينب فرحة عارمة، ولكنها علمت ان زوجها فى الاسر عند رسول الله .

وعن الواقدى بسند له: عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عائشة أن أبا العاص شهد مع المشركين بدرا، فأسر فقدم أخوه عمرو فى فدائه، وأرسلت معه زينب قلادة من جزع، كانت خديجة أدخلتها بها على أبى العاص فلما رآها رسول الله عرفها، ورق لها، وذكر خديجة فترحم عليها، وكلم الناس، فأطلقوه، ورد عليها القلادة، وأخذ على أبى العاص أن يخلى سبيلها ففعل.

وكان ابو العاص ذا مال وقد اراد اهله ان يغلوا فى ماله ولكن زينب اثرت ان تفتديه بما هو أغلى وأعز ما تملك قلادة السيدة خديجة التى اهدتها لها يوم عرسها، فلما رآها رسول الله رق وتأثر تأثرا بالغا فقال بعد فترة صمت (ان رأيتم ان تطلقوا لها اسيرها و تردوا لها مالها فافعلوا). فقال الصحابة: نعم يا رسول الله.

وادنى رسول الله اليه صهره الذى غلبه التأثر لهيبة الموقف فأسر اليه حديثا لم يعلم ما هو فحنى ابن هالة رأسه موافقا ثم حيا ومضى، فلما بعد التفت الى أصحابه من حوله وأثنى على ابى العاص خيرا و قال (والله ما ذممناه صهرا).

وكان رسول الله قد اشترط عليه ان يبعث له حين عودته لمكة ابنته زينب فعاهده على ذلك. وابى ابو العاص ان يطلق زينب وعندما قالت له قريشا: فارق صاحبتك ونحن نزوجك أى امرأة من قريش. فقال: لا والله انى لا افارق صاحبتى وما أحب ان لى بأمرأتى امرأة من قريش.
وخرجت زينب مهاجرة الى ابيها وفى احشائها جنين لم يستكمل شهره الرابع، يقودها كنانة وهو أخو ابى العاص وقد حاول رجال من قريش إيذاءها انتقاما لقتل سادات قريش يوم بدر، وقد تصدى لهم كنانة غير ان هبار بن الاسود الاسدى روعها برمح، وكان معه نافع بن عبد القيس الفهرى ونخس البعير فالقى بها على صخرة واذ ذاك برك كنانة دونها ونثر كنانته وهو يزأر:
والله لا يدنو منى رجل الا وضعت فيه سهما. فتراجع المطاردون وعاد بها كنانة الى مكة حيث بقى أبو العاص الى جانبها اياما يرعاها ولا يفارقها لحظة من ليل او نهار فلما تمالكت بعض قواها خرج بها كنانة حتى أسلمها زيد بن حارثة وما تزال تنزف ولم يتبعها احد هذه المرة ولما علم رسول الله ما حدث اهدر دم هبار ونافع يقول ابو هريرة :
بعث رسول الله سرية وكنت فيهم فقال (إن لقيتم هبار بن الاسود ونافع بن عمرو فأحرقوهما) فلما كان من الغد بعث الينا رسول الله فقال (ان لقيتموهما فاقتلوهما فانه لا ينبغى لأحد ان يعذب بعذاب الله) وأقامت السيدة زينب مع طفليها فى كنف والدها حتى العام السابع من الهجرة.

اسلام ابى العاص:

وفى سنة ست من الهجرة يخرج ابو العاص فى تجارة لقريش يتاجر بها فى الشام، فانتدب رسول الله لها زيد بن حارثة فى سبعين ومائة راكب، وكان ذلك فغنم المسلمون القافلة وأسروا من كان فيها ومنهم ابو العاص، فلم يعرف ابو العاص ماذا يفعل فدخل على زينب واستجار بها ولما اصبح المسلمون سمعوا صوت زينب تقول: ايها الناس انى قد أجرت العاص بن الربيع فهو فى حمايتى وامنى
فقال رسول الله (ايها الناس هل سمعتم ما سمعت؟ إنه يجير على المسلمين ادناهم) ثم دخل على ابنته فأوصاها قائلا (أى بنية اكرمى مثواه، ولا يخلص اليك، فانك لا تحلين له مادام مشركا)
ثم سألت زينب اباها أن يرد عليه عير القوم، فأكبر رسول الله هذا الوفاء فى ابنته فبعث اليه السرية وقال لاصحابه (إن هذا الرجل منا حيث علمتم، وقد اصبتم له مالا، فإن تحسنوا إليه وتردوا اليه ماله، فانا نحب ذلك وان ابيتم فهو فئ الله الذى افاء عليكم فانتم احق به) فقالوا: بل نرده عليه، وقال بعضهم لأبى العاص: يا أبا العاص! هل لك ان تسلم وتأخذ هذه الاموال، فانها اموال المشركين؟ فقال الرجل: بئس ما ابدأ به اسلامى ان اخون امانتى وردوا عليه المال كرامة للرسول وابنته.

ولما عاد ابى العاص الى مكة ورد على كل ذى حق حقه استعفاهم فشهدوا له برد الامانة، فشهد بأنه لا اله الا الله وان محمدا رسول الله، وخرج مهاجرا الى الله ورسوله ففرح به رسول الله والمسلمون ورد رسول الله عليه زوجه التى فرحت باسلامه.

وفاتها

لم يعيشا معا بعد ذلك طويلا فقد توفيت فى السنة الثامنة من الهجرة، وقد علم رسول الله النساء كيف يغسلنها كما قالت ام عطية، وأخرج مسلم فى الصحيح من طريق أبى معاوية، عن عاصم الأحول، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية قالت: لما ماتت زينب بنت رسول الله قال (اغسلنها وترا ثلاثا او خمسا واجعلن فى الاخرة كافورا او شئ من كافور فاذا غسلتها فاعلموننى) فلما غسلناها اعطانا حقوه فقال (أشعرنها اياه). وقد دفنت بالبقيع وتولى دفنها رسول الله ونزل قبرها وهو مهموم محزون فلما خرج سرى عنه وقال (كنت ذكرت زينب وضعفها فسألت الله تعالى ان يخفف عنها ضيق القبر وغمه ففعل وهون عليها) رحم الله تعالى بنت رسول الله نعم القدوة فى الوفاء والصبر، وصلى الله وسلم تسليما كثيرا على سيد الخلق وعلى اله واصحابه اجمعين.

راوية رمضان