يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

أليست كل بدعة ضلالة؟

 

ألم يقل بذلك رسول الله ؟ ألم يقل كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة؟ ألا يفترض علينا أن نسير على ما سار عليه الصحابة حذو النعل بالنعل؟ ولا نحتاج فى ذلك إلا القرآن والسنة؟ ويكفينا منها ما جاء فى البخارى؟

يقول بعض الجهلاء بهذا مستندين الى الحديث الشريف المروى عن جابر بن عبد الله ، قال: كان رسول الله يقول إذا خطب (نحمد الله ونثنى عليه بما هو أهله) ثم يقول (من يهدى الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار).

وهذا الحديث يستهلون به معظم خطبهم ولكن هذا الحديث قد روى بروايات عديدة ولكن لم يعلق بذهن المغرضين إلا هذه الرواية ولم يفسروا لنا ماهى البدعة؟ ونقول وبالله التوفيق والرشاد: 

الأحاديث كثيرة بهذا الصدد وهى تفسر بعضها بعضا، وكذلك الآيات تفسر بعضا بعضا، ولكن من يعى هذا الكلام، لقد صور المغرضين للعامة أن البدعة هى ما لم يفعله رسول الله ، ومن الطريف أن بعضا من المغرضين الذين يفتون فى الدين بأهوائهم ذهبوا الى صاحب لهم من العامة راكبين دراجة بخارية، ثم تركوها أمام منزله ملبين دعوته لهم على طعام، وحينما قدم لهم الطعام كسروا له الملاعق ورفضوا الأكل بها، بدعوى أن رسول الله لم يأكل بملعقة ثم كسروا له المنضدة بدعوى أن رسول الله لم يأكل على منضدة، وكذلك الأكواب الزجاجية بنفس الدعوى، فلما وجد الرجل منهم هذا الفعل استأذن منهم بعض الوقت، ونزل خلسة فهشم لهم دراجتهم البخارية، ثم رجع إليهم فأكل معهم حسب تعليماتهم، وعندما انصرفوا ذهبوا لركوب دراجتهم فوجدوها قد هشمت ولا تصلح، فسألوا من الذى فعل هذا الفعل، فقال لهم: وهل الرسول كان يركب دراجات؟ إبحثوا عن بعير ليوصّلكم! ا.هـ هذا ما اهتدى اليه الرجل بعقله.

ولكنا نقول لمن اراد الهداية حديث: حدثنا ثور بن يزيد حدثنى خالد بن معدان حدثنى عبد الرحمن بن عمرو السلمى وحجر بن حجر الكلاعى قالا أتينا العرباض بن سارية وهو من الذين نزل فيهم ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ فسلمنا وقلنا: أتيناك زائرين ومقتبسين. فقال العرباض صلى بنا رسول الله الصبح ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا مجدعا، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).ا.هـ

نجد الحبيب يقول فى هذا الحديث: فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها، وهذا يعنى أن هناك سنة الخلفاء نحن مأمورين بالتمسك بها فلماذا يدعّوا بأن لا سنة بعد سنته ؟

أيضا حديث آخر يقول (من سن سنة حسنة كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها من غير أن ينتقص من أجورهم شيئا، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينتقص من أوزارهم شيئا). وهنا سِعَة فاى مسلم اتى بسنة حسنة فله أجر من اتّبعه وهذا حثّ من رسول الله باتباع السنّ الحسن فكيف يدّعون بان ما لم يفعله ضلاله.

وقد فسر لنا هذا الأمر ابو داود وابن حبان والبيهقى والنسائى وغيرهم فقالوا: البدعة بِدْعَتَان: بدعة هُدًى، وبدعة ضلال، فما كان فى خلاف ما أمَر الله به ورسوله فهو فى حَيِّز الذّم والإنكار، وما كان واقعا تحت عُموم ما نَدب الله إليه وحَضَّ عليه الله أو رسوله فهو فى حيز المدح، وما لم يكن له مثال موجود كنَوْع من الجُود والسخاء وفعْل المعروف فهو من الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك فى خلاف ما وَردَ الشرع به. ا.هـ

وقد أوضح لنا الإمام فخر الدين موضوع البدعة فقال:

ليس كل شىء يحدث بعد النبى نقول عنه بدعة وإنما البدعة تطلق على الشىء الجديد، فعندما جمع سيدنا عمر صلاة التراويح فى المسجد قال: نعمت البدعة.

النبى  كان فى الجهاد وعندما رجع  وجد المنافقين قد بنوا مسجدا ضرارًا تفريقًا بين المؤمنين وليضاهوا به مسجد رسول الله ، وكان بعض الجند يريدون ان يصلوا فى مسجد النفاق او الضرار، فوقف النبى ، ونزل سيدنا جبريل بقوله تعالى ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.

لقى مسجد قباء ودخله ثم صلى ثم قال (لولا أنى بعثت معلما لأطبقت عليهم مسجدهم) وسأل الصحابة (هل فيكم من أحدث فى أمرنا هذا شئ؟) قالوا: لا، سألهم واحدا واحدا، قالوا: لا. سيدنا سعد كان قد ذهب لإحضار ماء للصحابة ولما جاء سأله (هل أحدثت فى أمرنا هذا شـئ؟) قال له: نعم يارسول الله. قال له (ماهو؟) قال له: نحن لما أسلمنا فى المدينة تعلمنا الإستجمار بالحجر ولما جئنا هنا اصبحنا نستجمر بالحجر ونستبرأ بالماء، قال له (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين). فهذه نسميها سنه حسنه. هذا بنى جامع وآخر حفر بئر وهكذا:

صلاة التراويح جماعة سُنت بعد زمن النبى .

المنبر بعد زمن النبى .

جمع القرآن بعد زمن النبى .

جمع الحديث بعد زمن النبى .

فقه المذاهب بعد زمن النبى . ا.هـ

بعد هذا كله تقول لى الذى لم يفعله النبى فى زمنه يكون بدعة! أقول لك أنت فى هذا الزمان بدعة.

اللهم علمنا ما جهلنا وانفعنا بما علمتنا والى العدد القادم باذن الله تعالى.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

محمد مقبول