يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

 

 

لا تشد الرحال !!

 

قال رسول الله : (لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ ...) فكيف يصح أن تذهب لزيارة الأضرحة؟ ألا تفهم أنه لا تشد الرحال؟ كيف تخالف رسول الله وتذهب من بيتك قاصدا زيارة قبور الأولياء؟ وكيف تذهب هناك وقد قال رسول الله : (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجدا)؟ فالزيارة أصلا ملعونة !!!

يروج المارقين من هذا الدين والمنكرين للحق والحقيقة فى صفوف العوام والجهلاء من أمتنا الإسلامية لهذا الفكر الباطل الذى لاسند له من ديننا الحنيف، متجاهلين أن هذا العمل منهم هو فتوى باطلة من شأنها أن تفرق بين المسلمين وتضر بالغ الضرر بعقائدهم وتزرع العداوة والبغضاء فى قلوبهم، فتتمزق الأمة الى طوائف وكل حجتهم فى هذا الفكر الضال هو مفهومهم الخاطئ لحديثين صحيحين من أحاديث رسولنا الكريم، وكان الأجدر بهم أن يسألوا أهل الذكر ماداموا لا يعلمون!

الحديث الأول: عن أبى هريرة أن رسول الله قال (لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِى) صحيح مسلم والنسائى وأبو داود وابن ماجه ومسند الإمام أحمد والدارمى.

الحديث الثانى: قال رسول الله : (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) رواه البخارى ومسلم والنسائى.

فنوضح هذا الأمر متحدثين بداية عن الحديث الأول:

قضية شد الرحال لزيارة الأنبياء والرسل والشهداء والأولياء قضية خاض فيها المسلمون كثيراً، واختلفوا حولها اختلافاً ما كان ينبغى له أن يحدث، لأنه قد صنع فى جسد الأمة جرحاً عميقاً، وفرق كلمتها بصورة ممقوتة أفزعت الكثير من المسلمين لأن الأمر متصل بمقام الرسل والأنبياء والأولياء وكلهم مصطفون، وهم خيار الناس وأئمتهم مع تباين درجاتهم.

ويرجع السبب فى اختلاف العلماء إلى تباين أقوالهم فى معنى حديث شد الرحال، فقد وهم البعض وظن أن الحديث يمنع من شد الرحال إلى غير هذه المساجد الثلاثة من سائر المساجد وسائر القبور، وقالوا: إنه لا ينبغى السفر وشد الرحال إلا لهذه الثلاثة فحسب وكذا ما رخص الشرع فى السفر إليه كطلب العلم والتجارة وزيارة الإخوان وطلب الرزق وغيرهما من الأمور التى أباح الشرع شد الرحال إليها.

لذا فإن هؤلاء يمنعون شد الرحال لزيارة قبر الرسول وقبور الأولياء والعلماء قصداً، وقال بعضهم إن وقع هذا الفعل إتفاقاً فلا مانع، وكذلك ينهون عن شد الرحال إلى المساجد غير هذه الثلاثة، لأن ما عداها فى الفضل سواء كما أنهم يعتبرون السفر وشد الرحل لزيارة قبر النبى ، سفر معصية ولا يجوز قصر الصلاة فيه ولا يجب الوفاء بالنذر. إذا ما نذر إنسان القيام بزيارة قبر النبى . لأن السفر إليه لا يكون إلا فى حياته فقط! وهم فى ذلك واهمون فالرسول حى فى قبره حياة برزخية لا يعلمها إلا الله تعالى وهذا ما اتفق عليه جمهور العلماء من هذه الأمة، وهو يسمع سلام من يسلم عليه عند قبره ويجيبه وكذا الأولياء والشهداء وسائر موتى المسلمين الكل أحياء فى قبورهم، دلت على ذلك النصوص الصحيحة كما سيأتى بيانه.

وقد تجاوز البعض منهم حدود الأدب وذهب إلى القول بتحريم السفر وشد الرحل لزيارة النبى بعد وفاته وكذا أتباعه من أولياء الله الصالحين وهو أمر خطير وفهم سقيم عليل لم يقم على صحة القول به دليل ولا برهان، ولكنه يتعارض مع الأدلة الصحيحة الصريحة التى تندب المسلمين وتدعوهم إلى الزيارة لما فيها من فوائد روحية جمة، واكتساب آداب إيمانية رفيعة، والتزود بمعارف يقينية يندر الحصول عليها، فهل يطمع الإنسان فى شرف أسمى وأرفع من شرف زيارة النبى والتمتع بالوجود فى حضرته والسلام عليه وطلب المغفرة من الله تعالى عنده وشهود أنواره وشم رائحته الزكية الندية العطرة، فهل بعد هذا الشرف المحمدى من شرف؟!! إن من يرى غير هذا فما نال ولا عرف وأمره كله فى عجب وفى سرف وفكره وعقله عن قول الحق واعتقاد الصواب قد مال وانحرف.

وإذا دققنا فى الحديث وفهمنا ألفاظه ومنطوقه جيداً، لوجدنا الدليل والراحة من كل هذا العناء والاختلاف، فالحديث يقصر شد الرحال على المساجد فقط لا غيرها، فلم يطلق الحديث لفظ شد الرحال عامة ويقل "لا تشد الرحال" بل جاء بإسلوب القصر وهو النفى والاستثناء بقوله (لا تشد الرحال إلا) وكان الاستثناء فى أداة (إلا) جاء إلى المساجد، فخرج من دائرة الحديث شد الرحال إلى أى شىء آخر ولم يكن هذا الحديث ليتناول حكم إلا إلى المساجد فقط، فلو كان شد الرحال إلى أى شئ غير المساجد، رجعنا بالحكم إلى القواعد العامة فى الشريعة الإسلامية وإذا كان هذا الأمر المشدود إليه الرحال مباحاً من عدمه، ولا يقع هذا الموضوع تحت طائلة هذا الحديث، فالحديث مقصور على المساجد وفقط.

ونقول لأصحاب الفهم السقيم العقيم الذين يرون فى هذا الحديث سنداً لهم فى منع زيارة الحبيب ويقولون أن القصر على هذه المساجد وفقط، نقول لهم نسيتم العلة من الأحكام الشرعية، فلو دقق بعضكم فى العلة من شد الرحال إلى المسجد الحرام مثلاً، لرأى أنه به قبلة المسلمين أجمعين، وفضله المولى تبارك وتعالى وأمرنا أن نولى وجوهنا شطره، لما فيه من بركات ورحمات، ولو دققوا أيضاً فى العلة من شد الرحال إلى المسجد الأقصى، لوجدوا أنه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فكان المسلمون مع النبى فى أول الأمر يولوا وجوههم شطره، قبل جعل القبلة الكعبة المشرفة، ولكن ما العلة فى جعل مسجد النبى يُشد الرحال إليه؟!! هل لطهارة أرضه؟ أم لشئ آخر، إن كان لطهارة أرضه، نقول لهم ارجعوا إلى الوراء والسيرة النبوية الشريفة، تجدوا أن الله خيب آمالكم فى هذه الحجة، فقد ورد فى الصحاح أن المسجد النبوى كانت أرضه ما هى إلا موضعاً لقبور المشركين، فلما قدم النبى إلى المدينة أمر بهذه القبور فنبشت، وطُهرت الأرض منها، وبنى رسول الله عليها مسجده، فنجد أن الأرض طَهُرَتْ بموطئ قدمه ، فلم يكن لهذه الأرض أفضلية قبل قدومه إلى المدينة، فكان المسجد له حرمته وشرفه وتعظيمه، إنما لكون النبى فيه ولولاه ما شرف، فإذا كان شد الرحال لهذا الأمر وهذه العلة، ألم يكن من باب أولى قبر النبى ، هذا من باب النبى وأنه رسول الله، ولكن بالنسبة للأولياء فما هو الدليل فى تعظيمهم وتعظيم حرمتهم، والذهاب إلى قبورهم، نجد أن المسجد الحرام إنما شرف وعظم لوجود القبلة فيه وهى الكعبة المشرفة، ولحرمتها كان المسجد الحرام حراماً، وكان النبى يطوف بالكعبة ويقول: (مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ حُرْمَةً مِنْكِ) وهذا هو ما رواه الإمام ابن ماجه والإمام الترمذى فى سننيهما، فكانت حرمة العبد الصالح عند الله أعظم من حرمة الكعبة، بنص الحديث، ولا يختلف عليه أحد، فلما إذاً المكابرة والاعتراض وكل هذا الجدال، فالأمر واضح وضوح الشمس فى كبد السماء، ولكن هناك من يريد أن يغطى عليه، إما لمصلحة شخصية من حب توجه الناس إليه مثلاً، وحب الرئاسة فى الدين وغير ذلك من الأشياء التى تهوى بالمرء فتفتك بدينه، أعاذنا الله وإياكم منه، واتفق معنا فى هذا الرأى كثيرا من العلماء حتى المحدثون منهم، أمثال الشيخ محمد علوى المالكى الحسنى، والشيخ الشعراوى، والشيخ الباقورى وغيرهم من العلماء، ممن سار على نهج السابقين، ولم يبتدع فى الدين، جعلنا الله منهم إلى أن نلقاه أجمعين.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى،،

 محمد مقبول