يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

 

 

هذا حديث مكذوب !!

من العجيب فى هذا العصر أن هناك من إذا حدثته بحديث لا يوافق هواه فأول ما يتفوه به يقول هذا حديث مكذوب أو موضوع أو ضعيف أو لم يرد، أواثق هذا من نفسه بأنه حفظ كل كلمة عن حضرة النبى ، ألم يعلم بأن النبى عاش من عمر الرسالة ثلاثا وعشرين عاما، كل كلمة تفوه بها حديثا وكل فعل أتى به حديث وكل إشارة أتى بها حديث، أحفظ كل هذا حتى أنه حينما يسمع حديثا ما، يحكم عليه فى الحال، إنه لشئ عجاب، أو لم يعلم هذا عاقبة ما يقوله؟ ألم يسمع قول حبيب الله أن من كذب بأحاديثه فليتبوأ مقعده من النار؟ ألم يسمع قول المولى تبارك وتعالى ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾؟ المرسلات 15، تأمل قوله تعالى بأن الويل للمكذبين وليس للكذابين، حيث يخطئ البعض فيظنون أن الكذب والتكذيب شيئ واحد، والواقع أن المكذبين أشد وطأة وأصعب حالا، لأنهم ينكرون كلام الله ورسوله فهم كافرون به، على اختلاف مع الكذابين الذين يكذبون فيوارون الحقيقة، فالمكذب والمنكر للصلاة كافر، أما من يكذب بشأن صلاته فهو عاصى، فإن كان الكذب مذموم قبيح فكيف بالتكذيب؟ ولذلك فقد كرر المولى سبحانه وتعالى أية الوعيد بالويل للمكذبين الذين أتى عليهم يوم القيامة وهم لا يزالون فى تكذيبهم، كررها المولى فى سورة المرسلات عشر مرات ومرة أخرى فى سورة المطففين، والآية فيها الوعد والوعيد الإِلهيين الشديدين بالويل الذى هو واد فى جهنم تستغيث جهنم من حره؛ للمكذبين بما يجب التصديق به من أركان الإِيمان، وبكلام الله ورسوله، والخطر كل الخطر لمن يقع تحت طائلة هذه الآية فيستخف بكلام النبى أو لا يحترمه إعجابا برأيه أو ظنا منه أنه يحسن صنعا، والعجيب كل العجب أنك إن سألت أحدهم لماذا تقول أن هذا الحديث مكذوب؟ تجده يجيب بكل بساطة لأنه لا يتفق مع العقل!! فأى رجل هذا؟ وأى عقل عقله؟ وأى لب لبه؟ وأى علم؟ وأى خبرة؟ وكم من عمره أفناه فى طاعة الله؟ حتى يكون له الجرأة على أحاديث الرسول فيقيمها برأيه!! فما أتعسهم يوم الحساب يوم تتقطع بهم الأسباب!

فيجب أن نعرف كيف يكون التعامل مع الأحاديث حتى التى نشك فيها طالما اننا لا نملك دليلا قاطعا على ضعف الرواية او رتبة الحديث، حيث أن الأئمة السابقين اتفقوا على ألا يقروا بضعف حديث إلا بإجماع الأئمة وليس برأى واحد منهم خوفا من خطأه، فتجدهم يوردون فى كتبهم ما لم يجمع على ضعفه او عدم صحته، والمعروف أن الحديث الضعيف ضعفه فى سلسلة رواته وليس فى متنه، وحتى الأحاديث الضعيفة التى لا يؤخذ بها فى الأحكام فإنه يؤخذ بها فى فضائل الأعمال، ولكن هذه الأحكام لدينا فيها المذاهب الفقهية الأربعة التى لم تدع حكما إلا وأتت فيه بالخبر اليقين، وبالتالى فالخطر الشديد يكمن فى إنكار سنة المصطفى بجهل وبدون داع، وتجد الغر من الناس يقول لك هذا حديث مكذوب لمجرد أنه سمع ذلك من أحدهم او أنه قرأ ذلك فى كتاب واحد بدون علم او سند أو كتاب مبين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولذلك يقول أئمة الحديث أن كنوزا من الحديث ضاعت علينا بسبب ضعف الرواة بعدم تركيزهم أو عدم حفظهم أو عدم درايتهم بفن الحديث، لذلك كان الأولى بالناس أن يتجنبوا الإنكار والتعرض للصحابة الكرام بدون علم، وأن يكون رأيهم "ربما أو لا أعلم"، ولذلك يشرح لنا الإمام فخر الدين كيف التصرف فيقول:

وتجنبوا إنكار حرف واحد       عزل الكرام مزلة الأقدام

بل قد يكون وربما ولعله     أو ليس عندى كامل الإلمام

ومن لم يفعل ذلك فليخشى على نفسه يوم الموقف العظيم يوم يقف امام من تجرأ عليهم وأمام المصطفى ويختصموه أما العزيز المقتدر، وفى هذا يقول الإمام فخر الدين :

كل قوم كَذَّبوا قد عُذِّبوا      أُخذوا أخذ العزيز المقتدر

إنما الساعة ميقات لهم        وعدوها وهى أدهى وأمر

خشعا أبصار قوم كذَّبوا      خرجوا مثل الجراد المنتشر

 

ثم تعالوا بنا إلى أحاديث المصطفى فى شأن المكذبين بأحاديثه:

روى المقدام بن معديكرب قال: قال : (ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عنى وهو متكئ على أريكته، فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله). الترمذى وابن ماجه والدارمى ومسند أحمد.

وفيما أخرج البخارى فى صحيحه عن المغيرة قال سمعت النبي يقول إن كذبا على ليس ككذب على أحد من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.

وعن بن عباس عن النبى قال: (من قال فى القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار). البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والحاكم والطبرانى والسيوطى وكنز العمال.

وعن سيدنا جابر بن عبد الله قال قال : من بلغه عني حديث فكذب به فقد كذب ثلاثة كذب الله ورسوله والذى حدث به). الطبرانى والسيوطى وابن عساكر وكنز العمال.

وعن العرباض بن سارية السلمى رضى الله عنه قال: نزلنا مع النبى خيبر ومعه من معه من أصحابه وكان صاحب خيبر رجلا ماردا منكرا فأقبل إلى النبى فقال: يا محمد ألكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمارنا وتضربوا نساءنا فغضب النبى وقال : (يا ابن عوف اركب فرسك ثم ناد إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن وأن اجتمعوا للصلاة). قال: فاجتمعوا ثم صلى بهم النبى ثم قام فقال: (أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن الله عز وجل لم يحرم شيئا إلا ما فى هذا القرآن ألا وإنى والله قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر وإن الله عز وجل لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذى عليهم). أبو داود والبيهقى والطبرانى.

 

محمد