ريح الصبا

ريح الصبا نفثت بروع متيم

 

عجبا لراح ريحـها لفـاح

درة من درر سيدى فخر الدين : فمن تدبر معنى هذا البيت حظى بمعنى إرشادياً يسعد به فى الدنيا والآخرة، فالصبا لغويا ريح وفى الاصطلاح الصوفى (من كتاب لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام للقاشانى) ما يأتى من جهة الروحانيات ويكنى بالصبا عن نفحات القرب المشار إليها بقوله (إن فى أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها) رواه الحكيم فى النوادر وابن عبد البر والطبرانى فى الأوسط. وقال : (نْصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدَّبور) إشارة إلى أن الصبا ريح القبول والدبور ريح الإدبار. أهـ. فإذا لقيت المعانى التى تقربنا إلى الله فهى ريح الصبا تقرب أهل القبول، وإذا لقيت إدباراً من قوم فهى بإدبارهم وإنكارهم ريح دبور ترسل عليهم كما أرسلت على عاد فتهلكهم بكهف جهلهم فلا يهتدوا حتى يروا عذاب الدنيا والآخرةأرسلتأر.

وهذه المعانى لا تنفث إلا لقلب متيم تملك أمره حب الله ورسوله وهذا النفث كما جاء (بالمعجم الصوفى من كلام سيدى محيى الدين بن العربى للدكتورة سعاد الحكيم) يقول سيدى محيى الدين أن هذا النفث يكون للأنبياء بواسطة روح القدس وللأولياء يكون روحانى وهذا الكتاب (يقصد الفتوحات المكية) من ذلك النمط عندنا فوالله ما كتبت منه حرفا إلا عن إملاء إلهى، وإلقاء ربانى، أو نفث روحانى فى روع كيانى.

ونجد نظم شيخنا موافقا لكلام سيدى محيى الدين (ريح الصبا نفثت بروع متيم) فالنفث يكون فى الروع وهو القلب وهذه الريح ريح خمر المعانى لقوله فى الشطر الثانى (عجباً لراح) والراح هو الخمر وفى التنزيل العزيز (يسقون من رحيق مختوم) والرحيق هو الخمر المعد لنعيم الأبرار السعداء المختوم بخاتم الشرع حتى تقترن الحقيقة بالشريعة فتحفظنا من الفسق والتزندق وتشرب الأرواح من خمر المحبة فتتآلف الأرواح والقلوب ويعم الحب والإخاء بين المقبلين على هذه المعانى الحقيقية المتشرعة التى نجدها فى كتب الصالحين وإن شئت فاطلع على معنى الآية فى كتاب تفسير ابن عربى للقرآن الكريم (الجزئين). فاللهم اجعلنا من المتعرضين لنفحاتهم ومعانيهم المغذية للأرواح والقلوب.

وياله من عجب لهذه الراح التى لها ريح لفاحة تحرق كل ما تجده فى القلب من جهل فتسير بنا المعانى إلى نجد التقى فنفلح كما أراد لنا شيخنا حيث يقول:

قد أفلح السارى إلى نجد التقى

 

خاب الذى ما فاز بالإسراء

فهذه الريح الطيبة من المعانى تفوح بعطرها من ثنايا شيخنا t فيهتدى إليها ويشمها أحبابه المتيمين فى حبه وفى هذا المعنى يقول :

وإن صبا نجد تفوح بعطرها

 

يشم شذاها من يذوق صبابتى

وهذا هو نجد التقى وطريق التقوى الذى يشم رائحة عطره من روض شيخنا وهو الصبا حيث يقول سيدى فخر الدين :

إن الشذا فى روضتى

 

من شـمه فهو الصبا

وهذا الشذا هو قوة الرائحة وهو انتشار رائحة المسك وهو الفائح من خمر المعانى ولله در سيدى فخر الدين حيث يقول:

من مشربى هذا سقيت أحبتى

 

خمر المعانى حسـنها فضـاح

اللهم لا تحرمنا شذاه ولا حبه ولا خمر معانيه واجعله سر سعادتنا فى الدنيا والآخرة.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،،

محمد مقبول