من أَتَّبِع؟

لعل هذا السؤال من أهم الأسئلة فى هذا الزمان، لأن ما يطرأ على الإنسان من تغيرات تجاه أسرته ومجتمعه بل وتؤثر فى عقيدته بربه وكانت هذه الأخيرة هى أهم الأشياء بالنسبة للإنسان فركن العقيدة فى الدين سابق على غيره ومن المؤثرات فى هذا الركن هو المعلم إذا كان صالحا أم غير ذلك، ولا يخفى علينا خطورة ما إذا كان المعلم غير صالح فى مجال العقيدة وأثره الكبير على الإنسان وتوجهاته وميوله، وأيضاً الكتاب فنرى فى هذا الزمان أناس ممن يتبعون أهوائهم يضلون كثيرا من الناس بسبب كتاباتهم والقول بأهوائهم فيها وفى هذا المقام تحضرنى نصيحة غالية من الإمام على بن أبى طالب وجهه وهو باب مدينة علم رسول الله وهو ينصح كميل بن زياد قائلاً:

يا كميل بن زياد، إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، فاحفظ عنى ما أقول لك، الناس ثلاثة: فعالم ربانى، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق، يا كميل، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكوا على الإنفاق، وصنيع المال يزول بزواله، يا كميل بن زياد، معرفة العلم دين يدان به، به يكسب الإنسان الطاعة فى حياته، وجميل الأُحدُوثَة بعد وفاته، والعلم حاكم، والمال محكوم عليه.

فنجده يشير إلينا بأمر هام وخطير وهو يصنف لنا الناس إلى ثلاثة أقسام أولهم هو العالم الربانى ومن عرفه واتبعه إنما هو المتعلم طالب النجاة من المهلكات وغير هذين الصنفين إنما هم الهمج، ولله در القائل:

مَا النَّاسُ سِوَىَ قَوْمٍ عَرِفُوكَ
قَوْمٌ فَعَـلُوا خَيْرَاً فَعَـلَوْا
شَـرِبُوا بِكُؤُوسِ تَفَكُّرِهِمْ

دَخَـلُوا فُقَـرَاءَ إِلىَ الدُّنْيَا
يَا مُدَّعِــيَاً لِطَرِيقِــهِمُ
تَهْوَىَ لَيْـلَىَ وَتَنَـامُ اللَّيْلَ

 

وَغَيْرُهُـمُ هَمْـجٌ هَمَـجُ
وَعَلَىَ الدَّرَجِ الْعُـلْيَا دَرَجَوا
مِنْ صِرْفِ هَوَاكَ وَمَا مَزَجُوا

وَكَمَا دَخَـلُوا مِنْهَا خَرَجُوا
قَـوِّمْ فَطِرِيقُـكَ مُنْـعَرِجُ

وَحَقِّـكَ ذَا طَلَبٌ سَمِـجُ

يقال لأهل الدين هذا إمامكم  وذلك عبد جاءنا وهو نائب

علاء الصاوى

 

الفتوى والمسئولية

 إن انتشار الفضائيات ووسائل الإعلام والنشر والانترنت، قد صاحبها الكثير من المشاكل المعقدة التى تؤثر فى حياتنا اليومية والروحية، ومن ذلك انتشار الفتوى وتصدى البعض لها من غير علم، رغم أن هناك شروطا للأفتاء والاجتهاد، ولهذا لا يجوز لأحد أن يُفتيَ بغير علم وإلمام بشروط للإفتاء والاجتهاد.

 والتصدى للإفتاء بغير علم أمر خطير، حيث يقول رسولنا الكريم (من أُفتِى بغير علم كان إثمه على من أفتاه) رواه أبو داود، وابن ماجه، وسئل عن الرُّوح، وعن أهل الكهف، وعن ذى القرنين فلم يجب حتى نزل عليه الوحي، ولم يلتفت لادعاءات المشركين والأعداء عندما تأخّر الوحى عن الإجابة، وعندما سئل عن خير البِقاع وشرِّها، لم يجب وانتظر حتى نزل عليه الوحى وهو بذلك يوضح لكل المسلمين الطرق المثلى لنشر العلم والإجابة على الأسئلة، وعدم الافتاء بغير علم.

 أما الصحابة فكانوا عندما يسألون عن مسألة لا يتسرعون فى الرد أو فى الافتاء بغير علم، فكان كل منهم يحيلها إلى الأخر ولنأخذ مثالا لذلك ابو بكر فكان يقول: أىُّ سمّاء تُظِلُّنى وأىُّ أرض تُقِلُّنى وأين أذهب وكيف أصنع، إذا قلت فى حرف من كتاب الله بغير ما أراد الله تبارك وتعالى؟

وكذلك ابن عمر فكان عندما يسأل عن عشر مسائل يُجيب عن واحدة ويسكُت عن تسع، والإمام مالك سُئِلَ عن ثمان وأربعين مسألة فقال فى اثنتين وثلاثين منها: لا أدرى.

 ومن هنا ندرك أن الفتوى مسؤولية وليس كل شخص مؤهل لكى يتصدى للفتوى، وعلينا أن نقتدى بالعلماء الاجلاء وصحابتنا الكرام ومن قبلهم نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام.

 وقد تعودنا نحن النساء فى كل جلسة نجتمع فيها نجد انفسنا قد خضنا وتعرضنا لبعض المواضيع التى تتعلق بالدين، ويبدو أن النساء اكثر تأثيرا واطلاعا على الكتب الدينية فى السعودية وذلك نسبة لاتساع أوقات الفراغ، فيجدن أن  لديهن  متسعا من الوقت والفراغ فيحاولن استغلال هذا الفراغ للاطلاع على كتب الفقه والسيرة، وغيرها من الكتب الدينية الأخرى، وهذا فعل جميل لا شك فيه، وافضل من ان نمضى أوقاتنا فى شئ لا يجدى  ولا يفيد.

 ولكن تفقه الانسان لوحده فى إمور الدين وخاصة الفقه قد تصعب بعض الشئ، لأنه يحتاج الى تفسير وتوضيح وتكمن خطورته بالنسبة لبعض النساء فى أنهن متى ما سئلن أجبن بالفتوى التى حفظنها أو قرأنها وهن قد لا يعلمن بأن الفتوى تتعلق بأمور كثيرة مرتبطة بعلم الحديث والناسخ والمنسوخ ودلالة  الكلمات التى تنقسم إلى عدة مستويات منها الدلالة اللغوية والدلالة الفقهية والدلالة الاصطلاحية فى الكثير من علوم الدين الأخرى.

 وقد يتضح لك ذلك جليا عندما تسأل عن مسألة فى الفقه فتأتى لك الاجابة مختلفة ومتباينة وكل واحدة منهن تصر على قولها مدعمة ماتقوله بما تراه من حجج، وقد يصل الاختلاف إلى حد الغضب الشديد، وابتعاد المجموعة عن بعضها البعض، فبدلا من أن نكون مجموعة واحدة وتضمنا جلسة مليئة بالمودة والوئام، نصبح مجموعات متفرقة وقد تصل إلى مرحلة الخصام، وذلك لأن كل واحدة تعتقد بأن من اختلفت معها تتهمها بالجهل، حتى يسأل الفرد نفسه أهى الفتوى أم الفتنة؟

 قديما كان الحديث حول الفتوى يتعلق بعلماء الفقه، ومع انقلاب الموازين فى كل شئ لم يسلم الدين من انقلاب هذه الموازين، حيث اصبح معظم من يسأل فى الفقه يفتى دون خوف أو تردد بل ودون علم، كأنه يدلى برأيه فى مباراة فى فريقين أو يتحدث عن أخر أخبار الفن والنجوم، ولا يعطى نفسه مساحة للتراجع بل يعتبر إذا قال إنه لا يعلم فإن هذا القول يجعله ضمن زمرة الجاهلين.

 أعزائى ... إذا علمنا بخطورة الفتوى من غير علم لقلنا من غير خوف أو تردد: الله ورسوله أعلم، حتى تكون فى الجانب السليم، لكى لا نضل ولا نضلل غيرنا، ويكون الذنب ذنبين، لأن من يفتى من غير علم يقع عليه اثم كبير كما يقول (من أُفتِى بغير علم كان إثمه على من أفتاه) رواه أبو داود، وابن ماجه.

فلنتقى الله فى أنفسنا وفى غيرنا ولا نفتى بغير علم.

ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍهدى عبد الماجد

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع هذه الروابط:

http://burhaniya.org/magazine/tricks.htm

وباقى صفحات خدعوك فقالوا فى موقع الطريقة البرهانية

أسرة التحرير