الهدهد (بقية)

قال عكرمة: إنما صرف سليمان عن ذبح الهدهد، لأنه كان باراً بأبويه، ينقلا الطعام إليهما فيزقهما فى حال كبرهما.

قال الجاحظ: وهو وفاء حفوظ ودود، وذلك أنه إذا غابت أنثاه، فلم يأكل ولم يشرب، ولم يشتغل بطلب طعم ولا غيره، ولا يقطع الصياح حتى تعود إليه، فإن حدث حادث أعدمه إياها لم يسفد بعدها أنثى أبداً، ولم يزل صائحاً عليها ما عاش، ولم يشبع بعدها أبداً بطعم، بل يأل منه ما يمسك رمقه، إلى أن يشرف على الموت، فعند ذلك ينال منه يسيراً.

وفى الكامل، وشعب الإيمان للبيهقى، أن نافع بن الأزرق، سأل ابن عباس ، فقال: سليمان ، مع ما خوله الله من الملك وأعطاه، كيف عنى بالهدهد مع صغره؟ فقال له ابن عباس : إنه احتاج إلى الماء، والهدهد كانت الأرض له كالزجاج كما تقدم. فقال ابن الأزرق لابن عباس: قف يا وقاف كيف يبصر الماء من تحت الأرض، ولا يرى الفخ إذا غطى له بقدر أصبع من تراب. فقال ابن عباس : إذا نزل القضاء عمى البصر وأنشدوا فى ذلك لأبى عمرو الزاهد:

إذا أراد الله أمـراً بامرئ ... وكان ذا عقل ورى وبصر

وحيلة يفعـلها فى دفع ما ... يأتى به محتوم أسباب القدر

غطى عليه سـمعه وعقله ... وسله من ذهنه سل الشعر

حتى إذا أنفذ فيه حكمه ... رد عـليه عقـله ليعتبر

ونافع ابن الأزرق هو رأس فرقة من الخوارج، يقال لها الأزارقة، يكفرون على بن أبى طالب إذ حكم، وهو قبل التحكيم عندهم إمام عدل، ويكفرون الحكمين أبا موسى وعمراً. ويرون قتل الأطفال ولا يقيمون الحدود على من قذف محصناً، ويقيمونها على قذف المحصنات وغير ذلك من الأقوال. وأنشد أبو الشيص فى صفة الهدهد:

لا تأمنن على سرى وسركم ... غيرى وغيرك أو طى القراطيس

أو طائر سوف أجليه وأنعته ... ما زال صاحب تنقير وتدريس

سـود براثـنه ميل ذوائبه ... صفر حمالقه فى الحسن مغموس

البراثن بالباء الموحدة وبالثاء المثلثة وبالنون فى آخره: أظفاره، والذوائب ريشه، والحمالق الأجفان.

قال أبو الحسن على بن الحسين بن على بن أبى طالب ، صاحب دمية القصر، وهى ذيل يتيمة الدهر، قتل سنة سبع وستين وأربعمائة:

لا تنكـرى يا عـز إن ذل الفتى ... ذو الأصل واستعلى خسيس المحتد

إن البزاة رؤوسهن عواطف ... والتاج معقـود برأس الهدهد

قيل: إن الإمام الحافظ أبا قلابة، واسمه عبد الملك بن محمد الرقاشى، رأت أمه وهى حامل به، كأنها ولدت هدهداً. فقيل لها: إن صدقت رؤياك، فإنك تلدين ولداً ذكراً كثير الصلاة فولدته، فلما كبر كان يصلى كل يوم أربعمائة ركعة، وحدث من حفظه ستين ألف حديث، ومات سنة ست وسبعين ومائتين رحمه الله تعالى.

الأمثال: قال: أسجد من هدهد، يضرب لمن يرمى بالأبنة، وقالوا: أبصر من هدهد، لما تقدم من رؤيته الماء تحت الأرض.

عصام

 
 

 

من صديقى مصر

من الصديقين المصريين ماشطة ابنة فرعون وابنها ومؤمن آل فرعون:

أخرج الحاكم فى المستدرك، وصححه عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله : (لم يتكلم فى المهد إلا عيسى، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وابن ماشطة ابنة فرعون).

وأخرج أحمد والبزار والطبرانى عن ابن عباس، قال: قال رسول الله : (لما كانت ليلة أسرى بى، أتيت على رائحة طيبة، فقلت: يا جبريل، ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها، قلت: وما شأنها؟ قال: بينما هى تمشط ابنة فرعون ذات يوم، إذ سقط المدرى من يدها، فقالت: باسم الله، فقالت لها ابنة فرعون: أولك رب غير أبى؟ قالت: لا، ولكن ربى ورب أبيك الله. قالت: أخبره بذا؟ قالت: نعم، فأخبرته، فدعاها، فقال: يا فلانة، أو أن لك ربا غيرى! قالت: نعم ربى وربك الله، فدعا ببقرة من نحاس، ثم أحميت، ثم أمر أن تلقى فيها هى وأولادها، فألقوا بين يديها واحدا واحدا إلى أن انتهى ذلك إلى صبى لها مرضع فتقاعست من أجله، قال: يا أماه اقتحمى فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فاقتحمت).

قال ابن عباس: تكلم فى المهد أربع صغار: عيسى بن مريم، وصاحب جريج، وشاهد يوسف، وابن ماشطة ابنة فرعون.

وأخرج ابن أبى حاتم، عن ابن عباس فى قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ غافر (28). قال: لم يكن من أهل فرعون مؤمن غيره وغير امرأة فرعون وهو المؤمن الذى أنذر موسى الذى قال: ﴿إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ﴾ القصص (20).

من كتاب حسن المحاضرة فى أخبار ملوك مصر والقاهرة للإمام السيوطى.

 سامر الليل