التربية ومفهومها

 معظم مجتمعاتنا العربية وللأسف الشديد تعانى من عدم الفهم الصحيح لمفهوم تربية الأبناء او لنقل إنها لا تعطى الأمر اهميته المطلوبة وذلك يتضح من خلال تراجع العديد من القيم الفاضلة فى مجتمعاتنا العربية.

 ونجد أيضا أن الكثير من  مصادر التربية فى كثير من الاحيان غير متطورة وتعتمد على موروثات قديمة قد تخطاها الزمن، واصبحت لا تواكب روح ومفهوم العصر.

 وهنا يبرز سؤال، هل كل ماورثناه من أساليب وطرق فى التربية يصلح أن نطبقها على هذا الجيل؟ .. جيل الانترنت والديجتال والموبايل، أم أن بعضها يحتاح إلى إعادة نظر وتطوير؟

 نحن لا ننكر دور علماء التربية والاجتماع الذين وضعوا الكثير من أسس وعلوم التربية، كما اننا لا ننكر دور ابائنا فى التربية او لا نقلل من شأنهم - لا سمح الله - ولكن كما يرى الجميع فإن ايقاع الحياة ومعطياتها تغيير تغيرا كبيرا واصبح هناك الكثير من الوعى والإدراك بالنسبة للأبناء وذلك نتيجة لتدفق المعلومات بكل سهولة ويسر عن شتى فنون وضروب الحياة، حتى أننا نلحظ أن الاطقال فى السنوات الأخيرة اصبحوا يتساءلون عن كثير من مظاهر الحياة وهذه الأسئلة ربما تكون أكثر تعقيدا.

 ونجد أيضا الأطفال قد تفتحت افاقهم من خلال اخذهم بسبل الحياة الحديثة من ألعاب إلكترونية ومشاهدة التلفاز والتعامل مع الحاسوب، كل هذه المعطيات تحتاج من الأباء والأمهات البحث عن طرق مختلفة وجديدة ومتطورة فى مجال التربية لمواكبة الطفرة التى حدثت فى العصر الحديث حتى تكون أساليب التربية اكثر نفاذا تجاه الابناء وحتى يحدث انسجام كامل بين الوالدين والأبناء، وبالتالى تصبح النصائح والإرشادات مقبولة.

 

ولأن القيم الفاضلة لا تتغير مهما تغيرالزمان والمكان يبقى الحل فى كيفية غرس تلك القيم منذ الصغر مع وجود أساليب وطرق حديثه لإيصالها  تكون أكثر تطورا فى التربية حتى أذا اضطررنا إلى اللجوء لدراسة مكثفة حول التربية، فليس من الحكمة ان ينجح رب الأسرة فى مجال عمله ويفشل فى تربية أبنائه، فلنجعل أبناءنا أهم استثمار فى حياتنا المستقبلية.

 ولا ننسى أن نتبع فى تربية ابنائنا القيم الإسلامية والتخلق بخلق القران الكريم التى تصلح لكل زمان ومكان، ويجب ألا ننبهر ببهرجة الحياة الغربية لانها كلها زيف وخداع ومايصلح لهم لا يصلح لنا لأن بيئتنا واتجاهاتنا تختلف عنهم اختلافا كبيرا، فالغرب كان ومازال كل هدفه الكسب المادى فلا يؤمن إلا بما هو مادى، والنبل والاخلاق ليست من اهتماماتهم, وهذا مخالف لشرعنا لان الله تعالى يقول فى محكم تنزيله ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾.

 والسيدة عائشة أم المؤمين قالت عن الرسول عليه افضل الصلاة واتم التسليم: "كان خلقه القرآن".

 والشاعر احمد شوقى يقول عن اخلاق الامم:

انما الامم الأخلاق مابقيت     فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

هدى عبد الماجد- السودان

 

التدرج إلى الأرشاد

أعلمى أن أساس العقيدة فى الشهادتين ينبغى أن يقدم إلى الصبى فى أول نشوءه ليحفظه حفظاً ثم لا يزال ينكشف له معناه فى كبره شيئاً فشيئاً فابتداؤه الحفظ ثم الفهم ثم الأعتقاد والإيقان والتصديق به . وليس الطريق فى تقويته وإثباته ان يعلم صنعة الجدل والكلام بل يشتغل بتلاوة القرآن وتفسيره وقراءة الحديث ومعانيه ويشتغل بوظائف العبادات فلا يزال اعتقاده يزداد رسوخاً بما يقرع سمعه من أدلة القرآن وحججه وبما يرد عليه من شواهد الأحاديث وفوائدها وبما يسطع عليه من أنوار العبادات ووظائفها وبما يسرى إليه من مشاهدة الصالحين ومجالستهم وسيماهم وسماعهم ، فيكون أول التلقين كإلقاء بذرة فى الصدر وتكون هذه الأسباب كالسقى والتربية له حتى ينمو ذلك البذر يقوى ويرتفع شجرة طيبة راسخة أصلها ثابت وفروعها فى السماء . وإن أراد أن يكون من سالكى طريق الآخرة وساعده التوفيق حتى أشتغل بالعمل ولازم التقوى ونهى النفس عن الهوى واشتغل بالرياضة والمجاهدة انفتحت له أبواب من الهداية تكشف عن حقائق هذه العقيدة بنور إلهى يقذف فى قلبه بسبب المجاهدة تحقيقاً لوعده عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ العنكبوت (69) وهو الجوهر النفيس الذى هو غاية إيمان الصديقين والمقربين وإليه الإشارة بالسر الذى وقر فى صدر أبى بكر الصديق حيث فضل به على الخلق. وانكشاف ذلك السر بل تلك الأسرار له درجات بحسب درجات المجاهدة ودرجات الباطن فى النظافة والطهارة عما سوى الله وفى الأستضاءة بنور اليقين وذلك كتفاوت الخلق فى أسرار الطب والفقه وسائر العلوم إذ يختلف ذلك باختلاف الأجتهاد واختلاف الفطرة فى الذكاء والفطنة وكما لا تنحصر تلك الدرجات فكذلك هذه. وان العلوم لها ظواهر وأسرار وبعضها جلى يبدو أولاً وبعضها خفى يتضح بالمجاهدة والرياضة والطلب والفكر الصافى. فاعلم أن أنقسام هذه العلوم إلى خفية وجلية لا ينكرها ذو بصيرة وإنما ينكرها القاصرون الذى تلقفوا فى أوائل الصبا شيئاً وحمدوا عليه ولم يكن لهم ترق إلى العلاء ومقامات العلماء والأولياء وذلك ظاهر من أدلة الشرع قال : (إن للقرآن ظاهراً وباطناً وحداً ومطلعاً) وقال على وأشار إلى صدره: "إن ههنا علوماً جمة لو وجدت لها حملة" وقال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ﴾ وقال : (إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العالمون بالله تعالى)وقال : (ما فضلكم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولكن بسر وقر فى صدره) وقال سهل التسترى : ’للعالم ثلاثة علوم: علم ظاهر يبذله لأهل الظاهر وعلم باطن لا يسعه إظهاره إلا لأهله، وعلم هو بينه وبين الله تعالى لا يظهر عليه أحد‘. وقد أشتهر عن السلف قولهم: ’الإيمان عقد وقول وعمل‘ . فما معناه؟ قلنا: لا يبعد أن يعد العمل من الإيمان لأنه مكمل له ومتمم كما يقال الرأس واليدان من الإنسان، ومعلوم أنه يخرج عن كونه إنسان بعدم الرأس ولا يخرج عنه بكونه مقطوع اليد، فالتصديق بالقلب من الإيمان كالرأس من وجود الإنسان إذ ينعدم بعدمه وبقية الطاعات كالأطراف بعضها اعلى من بعض.

من كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالى (بتصرف)

 المحبة فى الله