شرابى عذب

شرابى عذب سلسبيل مذاقة

 

وعلمى كنز فى قلوب أحبتى

نظم فريد لشيخ فريد هو السيد فخرالدين الشيخ محمد عثمان عنه نركز فيه على الشطر الأول منه وما يحويه من معان جميلة:

فالشطر الأول من البيت مكون من اربع كلمات وتسعة عشر حرفاً يحدثنا عن الآية الوحيدة فى القرآن التى تتحدث عن السلسبيل مذكوراً بلفظه وهى مكونه من اربع كلمات وتسعة عشر حرفاً أيضاً وهى ﴿عينا فيها تسمى سلسبيلاً والمذكورة فى سورة الأنسان الآية الثامنة عشر، نبحث أولا فى التفاسير الشرعية فنجد فى تفسير (تنويرالمقباس) تفسير ابن عباس للفيروزابادى، يقول أن العين فى الجنة تسمى سلسبيلا، ويقال سل الله اليها سبيلا. وفى تفسير الحافظ بن كثير قيل: هى اسم عين فى الجنة وسميت بذلك لسلاستها فى الحلق.ا.هـ وفى تفسير الإمام الفخر الرازى جاء "قال الأكثرون يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل أى عذب سهل المساغ، وقال الزجاج:السلسبيل فى اللغة صفة لما كان فى غاية السلاسة، والفائدة فى ذكر السلسبيل هو أن ذلك الشراب يكون فى طعم الزنجبيل، وليس فيه لذعة لأن نقيض اللذع هو السلاسة.ا.هـ

وجاء فى تفسير الإمام النسفى (سلسبيلا) لسلاسة إنحداره فى الحلق وسهولة مساغها وقال أبو عبيد ماء سلسبيل أى عذب طيب ا.هـ وأما الشراب فى اصطلاح القوم (أهل التصوف) يرمز الى أوسط التجليات كما أن الذوق أولها والرِّى آخرها والتجلى فى اللغة: هو انكشاف الشىء وبروزه منها (إنكشاف المعانى) ويسمونه الفيض، والظهور، والتنزل، والفتح.كل هذه مرادافات لمعنى التجلى، وَرَدَ هذا فى عبارات سيدى محيى الدين بن العربى .

والعذب هو الشىء المستساغ من الطعام والشراب وغيرهما ويقال عذب اللسان مثلا وعذب الكلام. وأما السلسبيل: فقيل أنه اسم عين فى الجنة، وقيل الخمر أيضاً وفى هذا يقول سيدى فخر الدين :

من مشربى هذا سقيت أحبتى

 

خمر المعـانى حسـنها فضاح

 

 

فالشراب هنا إنكشاف عن معانى وعلوم لها حلاوة وحسن، تحُدث لشاربها تغييراً، وحالاً حسناً ليس كحال خمر الدنيا المحرمة شرعاً فإنها تُخل بالعقول وأما التى يتحدث عنها شيخنا رضوان الله تعالى عنه فهى خمر إلهية ثمرة القراءة والتدبر والتدارس فى علوم الصالحين وكتبهم، ولقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وعلي آله وسلم أنه قال: (على رأس كل مائة عام يبعث الله للأمة من يجدد لها أمر دينها). أو كما قال . ولهذا المعنى يقول :   

جل من يحيى علوما

 

بعد ما بلغت عتـيا

ووجدنا العالم الربانى الإمام النخجوانى فى كتابه تفسير القرآن الكريم المسمى بـ(الفتوحات الإلهية والمفاتح الغيبية) حيث يقول: (عينا) جارية (فيها) مملؤة بماء الحياة الأزلية الأبدية السرمدية (تسمى سلسبيلاً) لهدايتها وإرشادها الى مشرب التوحيد وبحر الوحدة الذاتيه كأنها تلقى وتلقن تلك العين المترشحة من بحر الحياة الأزلية الأبدية لأرباب العناية بقولها: سل أيها الطالب الحائر فى بيداء الطلب سبيلاً الى الوحدة الحقيقية الحقية وأسترح عندها. وبذلك نفهم من كلام شيخنا بعد الرجوع الى الإصطلاح الصوفى وتفسير السيد النخجوانى أن علوم شيخنا التى يفتح علينا بها فى ظهورها وانكشافها والمكنى عنها بالذوق تغير من حال المريد فيترك الخُلق السىء ويتحلى بالأخلاق الحميدة والعقيدة السليمة ويصح توحيده فهى من الخمر الإلهى الذى يسقى منه الأبرار كما جاء فى قوله عز وجل ﴿يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفى ذلك فليتنافس المتنافسون﴾ لنيل هذا الشراب العذب فى مذاقه المستساغ فى طعمه السهل فى وصوله الى الروح والوجدان الهادى الى الطريق المستقيم.

هذه العلوم أودِعها فى قلوب أحبتى على سبيل الكنزيه كلما احتاجوا اليها نضحنا بها من قلوبهم فتظهر على ألسنتهم فكانوا مضرباً للأمثال وكانوا ملجأً لكل حيران تائه فى هذه البيداء يبحث عن طريق.

نفعنا الله به وبعلومه .

                     وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.                   

محمد مقبول